قضية السكن والمأوى ليست قضية سعودية أو خليجية ولا عربية أو إسلامية، إنها قضية عالمية تعاني منها ومن آثارها كل الدول تقريبا، والاختلاف فيها بين الدول هو في المعالجات التي قد تكون متطورة وإنسانية في بلد ما، وتكون معدومة وميتة في بلد آخر.
ففي فرنسا تنبري جمعيات عديدة للدفاع عن فكرة المأوى للإنسان، معتبرة ذلك مفردة مهمة من مفردات حقوق الإنسان الأساسية، وتعرف هذه الجمعيات بـ (جمعيات الحق في السكن) وقد بدأت الضغوط التي تمارسها هذه الجمعيات في الإيناع والإثمار ودفع الحكومة للتحرك بوتيرة أسرع وأعلى لتأمين السكن للمعدمين والمشردين، يأتي ذلك بعد أن أعلن شيراك قبل رحيله عن الحكومة أنه لا بدّ أن يكون من حق من لا يملك سكنا أن يلجأ إلى القضاء، لمقاضاة الحكومة أو الجهة المسئولة عن ذلك.
يهمني في هذا السياق أن أسلّط الضوء على هذه المشكلة في بلادنا، المملكة العربية السعودية، فقد كتبت صحيفة «الشورى» عدد 88، ربيع الآخر 1428هـ، إن نحو 55 في المئة فقط من المواطنين يملكون منازل خاصة بهم، وإن هذه النسبة في تناقص مع ازدياد عدد السكان، إذ يبلغ مقدار النمو السكاني في المملكة 3.4 في المئة، كما يتراوح حجم متوسط الأسرة السعودية 6-7 أفراد، ما يعني ازدياد الطلب على المساكن، وإن عدد الوحدات السكنية المطلوبة حتى سنة 2025 نحو (4) ملايين وحدة سكنية منها (40) ألف وحدة سكنية سنويا لمدينة الرياض فقط، ووصل عدد الطلبات على قائمة الانتظار للحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية بنهاية العام 1425/1426 هـ 451.584 طلبا، بينما معدل موافقة صندوق القروض سنويا هي 27.000 طلب، وهذا يعني إن على المواطن أن ينتظر ما يقرب من(20) سنة قبل حصوله على القرض العقاري.
إن عدم السكن مشكلة ضاغطة على المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا، فهناك أفراد عديدون قد تدفعهم أسعار الاستئجار الفاحشة إلى إنفاق 50 في المئة من رواتبهم، وهناك أسر تتنقل من منزل إلى آخر أقل مستوى وخدمات، في موجة عالية من الأسعار المبهضة التي لا يتحملها أصحاب الرواتب المحدودة.
لقد انهارت أسر كثيرة بسبب أقساط السكن التي يدفعها رب الأسرة إلى مالك المنزل، أو الشقة المستأجرة، ووصلت أسر قائمة إلى حالة الطلاق والانفصال، لعدم تمكّن المعيل من تحمّل أعباء الأقساط المرتفعة، وكذلك يتأخر الكثير من الشباب ويتوقفون عن مشروع الزواج والاقتران ؛لأنهم يعرفون أن منزل الزوجية مكلف ومرهق.
مبادرات للمعالجة
هناك خطوات طيبة ومبادرات خيّرة ومهمة في المملكة لمعالجة موضوع السكن، هذه الخطوات لم تنه أزمة المسكن ولم تعالجها بتمامها فالصورة كما عكستها إحصاءات مجلة الشورى صعبة وكبيرة؛ لأن الكلام عن 45 في المئة من الشعب السعودي لا يملكون لهم مأوى يكتنفهم أو يؤسس لحياتهم الأسرية الجديدة، لكني أزعم أنها خطوات مهمة وفي الطريق الصحيح، ويأتي في مقدمها مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي، والتي جعلت من ضمن أهدافها الاستراتيجية، توفير السكن الملائم للفئات الأكثر حاجة، من خلال إنشاء المجمعات الإسكانية في مناطق المملكة المختلفة، وهناك الهيئة العليا للإسكان التي وافق عليها وتبناها مجلس الشورى دعما لأصحاب الدخل المحدود، لتساعدهم في توفير المساكن اللائقة بهم، والتي ينتظر المجتمع فاعليتها وعطاءها في أقرب وأسرع وقت، كما أن هناك مبادرات أهلية خيّرة سبق وأن أشرت إلى واحدة منها في موضوع سابق بعنوان (أسرٌ تتربع القلوب) وأشرت إلى ما يتكفل به الكرماء الإنسانيون، عبدالعزيز ومحمد وعبداللطيف أبناء الشيخ حمد الجبر من نفقات لمشروع يتكون من (236) وحدة سكنية لمحدودي الدخل.
كما أودّ هنا أن أخصّ سمو أمير المنطقة الشرقيّة الأمير محمد بن فهد بالشكر الوافر على توجيهه الكريم ببناء وحدات سكنية على نفقته الخاصة للمحتاجين في القطيف (منطقة العوامية)، وهي مبادرة طيبة استقبلها الأهالي بالشكر والامتنان لسمو الأمير، على أمل أن تكون بقية أطراف ومناطق محافظة القطيف محلا لعنايته ومبادراته الخيّرة.
إن الضغوط الحياتية والاقتصادية المتزايدة تدعونا جميعا لنقف متكاتفين ونشطين من تجار وأثرياء وقادرين لنسعى بكل جد طامحين أن يكون لكل أسرة سكن يخصها ويناسب حالها؛ لتكون سعيدة مع السعداء، فمن غير المقبول ولا اللائق ببلادنا وأهلنا الأخيار أن تخنق الآمال، وتموت الأحلام، وتتفكك الأسر بسبب السكن.
إن أهم ما يزرع الاطمئنان في النفوس، ويعزز الثقة في الوطن هو شعور أبنائه أن السكن حق مكفول للجميع.
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 1753 - الأحد 24 يونيو 2007م الموافق 08 جمادى الآخرة 1428هـ