أعلنت قبل أيام نتائج امتحانات المدارس الثانوية، خصصت الصحافة اليومية ملفات نشرت فيها أسماء الطلبة الناجحين ومعدلاتهم، ترافق ذلك مع ضجيج إعلامي محلي توج باحتفالات وتسليم جوائز. لم يقع تحت نظري، وأرجو أن أكون مخطئا، أية دعوة أو محاولة للاستفادة من مثل هذه المناسبات للوقوف بجدية أمام واقع التعليم في بلادنا من دون أن يكون وراء ذلك أية مواربة سياسية أو دعاية انتخابية. إن أهمية التعليم مسألة لم تعد اليوم محل جدل في أية منطقة من العالم، فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة هي التعليم، وإن كل الدول التي أحرزت شوطا كبيرا في التقدم، تقدمت من بوابة التعليم، بل إن الدول المتقدمة تضع التعليم في أولوية برامجها وسياستها. الكل يعرف أن أحد المؤشرات الرائعة التي تستخدمها الأمم الحية لقياس تطورها وتفوقها هو جودة التعليم. وقبل فترة عرضت إحدى محطات التلفزيون برنامجا عن «الأغبياء في أميركا» يتناول مستوى الطلاب في أميركا إذ تم وضع مجموعة من اختبار طبق على طلاب من 40 دولة في العالم وكان ترتيب الطلاب الأميركان العشرين وكان القصد من ذلك البرنامج اكتشاف السبب وراء تخلف التعليم في أميركا. أميركا تبحث بجرأة ودونما أي خجل عن أسباب تأخر التعليم عندهم! بيل غيتس، الرئيس مهندس نجاحات شركة «ميكروسوفت» والرجل الأغنى في العالم يدق ناقوس الخطر ويعلنها صريحة أن الولايات المتحدة ستكون قريبا في ذيل الأمم، ويقول: «إن نظام التعليم في بلاده بني ليتواءم مع خمسينات القرن الماضي، ولا يصلح ألبتة لعصرنا الحاضر». ويقال إن أحد أسباب نجاح جورج بوش الابن على منافسه آل غور في معركة الرئاسة الأميركية كان تركيزه فى برنامجه الانتخابي على إعطاء صكوك التعليم للآباء حتى يتمكنوا من إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة من دون نفقات تذكر منهم. وتلك الصكوك تساوي قيمة المبالغ التي ستنفقها الحكومة على التلاميذ إذا تم التحاقهم بالمدارس الحكومية العامة. وعندما تولى بوش الرئاسة نفذ ما وعد، فقد أصدر تقريرا تحت مسمى « No Child Left Behind « لا تسريب لأي طفل، ذكر فيه أن دور الحكومة الفيدرالية في التعليم لا يكمن في خدمة النظام بل إنه يخدم أولادنا، إضافة إلى قوله إننا منضمون إلى أمتين إحداهما تقرأ وتحلم والأخرى لا تقرأ ولا تتطلع إلى المستقبل. وسياسة الصكوك ليست أمرا جديدا فقد طبقت تلك الصكوك في انجلترا بنجاح كبير منذ أكثر من ثلاثين عاما وحققت نجاحا باهرا في الارتفاع بمستوى التعليم بها. ولم تتردد الولايات المتحدة في تنفيذ برامج للإعفاء الضريبي في حال تقديم الفرد تبرعا للتعليم. ففى ولاية أريزونا مثلا قدمت برنامجا للإعفاء الضريبي يقضى بإعفاء الفرد المتبرع بمبلغ 500 دولار لمدرسة خاصة أو 200 دولار لمدرسة حكومية عامة من قيمة الضريبة المستحقة عليه، ويجوز التبرع لمدرسة خاصة أو عامة. وإذا نظرنا إلى الدول الكبرى التي تتصارع على القمة اليوم نجدها تطور وتجدد في نظمها التعليمية وتحاول أن تدرس نظم التعليم الأخرى الموجودة في الدول المنافسة، والولايات المتحدة الأميركية واليابان خير مثال على ذلك. ويكفى للتدليل على ذلك ما صرح به وزير التعليم السابق في الولايات المتحدة الأميركية بنبيت «إن التعليم في اليابان حقق بشكل واضح نجاحا كبيرا في تزويد اليابان بقوة اقتصادية قادرة على المنافسة بشدة في أسواق الاقتصاد العالمية، لذلك ضمن الخير لنا ونحن شعب واقعي وعملي أن نتعلم ما نستطيع تعلمه من النظام التعليمي في اليابان». وعلى رغم صعوبة اللغة اليابانية فقد أرسلت الولايات المتحدة بعثات تعليمية وتربوية لترى كيف يتعلم اليابانيون وتتعرف على أساليبهم في التعليم. ومع ظهور المد الياباني، ومع إحساس الأميركان بأن الين الياباني استطاع السيطرة على السوق العالمية فقد قامت الدنيا ولم تقعد في أميركا وأصدرت تقريرها الشهير «أمة في خطر»، وأعيد بناء التعليم عموما والأساس خصوصا وتطوير الرياضيات والعلوم. كان ذلك في عهد الرئيس ريغان، ثم تابع الرئيس بوش الأب اهتمامه بالتعليم وكان برنامج أمة من الطلاب ليوضح أهمية التعليم لبقاء أميركا، كذلك استمر كلينتون على منوال من سبقوه الذي أكد أن التعليم يشكل بعدا أساسيا لأمن أميركا القومي. وفي العام 2000 صدرت استراتيجية التعليم من العام 2001م إلى العام 2005م والتي أكدت في مقدمتها دور التعليم في تكوين الدولة القوية. واليوم يدافع العلماء الأميركان عن وثيقة بعنوان: «الارتفاع فوق العاصفة القادمة»، تعكس مدى خوفهم من تراجع الهجرة العلمية إلى أميركا، وذلك بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، ما سينعكس على تراجع القدرات العلمية الأميركية، التي يُخشى إن هي استمرت أن تفقد أميركا بسببها تفوقها العلمي على العالم خلال عقد واحد من الزمن فقط. ويقول مدير مختبر لورنس بيركلي، العالم ستيفن شو الذي شارك في وضع هذا التقرير: «بعد الحادي عشر من سبتمبر أصبحنا أقل ترحيبا وعلينا أن نوقف هذا فورا»، ووصف شو أميركا بأنها «كضفدعة سقطت في ماء يغلي ببطء فهي لا تقفز من الماء لأنها لا تدرك أنها في طريقها إلى الموت». فهلا كففنا عن الصرف على الاحتفالات غير المبررة، ووجهنا، عوضا عن ذلك، أموالنا وجهودنا نحو السياسات التعليمية المجدية، إسوة بدول عظمى متقدمة مثل الولايات المتحدة التي لا تخجل من أن تقف وتعلن في صراحة تخلف برامجها التعليمية، ثم تسعى جادة في وضع الحلول لها من دون نحيب أو عويل.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1753 - الأحد 24 يونيو 2007م الموافق 08 جمادى الآخرة 1428هـ