العدد 1753 - الأحد 24 يونيو 2007م الموافق 08 جمادى الآخرة 1428هـ

قبل قمة شرم الشيخ... وبعدها

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تبدأ اليوم في شرم الشيخ قمة رباعية تضم مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ورئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت العائد حديثا من واشنطن.

مناسبة القمة الرباعية كانت ذاك الاشتباك الفلسطيني الداخلي الذي عصف بالقطاع وأدى إلى فصل غزة عن الضفة بعد سيطرة «حماس» وإعلان محمود عباس «حكومة طوارئ» متهما حكومة إسماعيل هنية بالانقلاب على الشرعية والدستور.

المناسبة فلسطينية بالكامل وجرى التوافق على عقد القمة لمعالجة تداعيات الاشتباك ونتائجه السياسية والأمنية ومدى تأثيره على مستقبل «الدولة» التي تعهد الرئيس الأميركي جورج بوش بتوفير سبل قيامها.

اليوم إذا تبدأ قمة رباعية لبحث مسألة شديدة التعقيد والتداخل ومضى عليها نحو 60 عاما شهدت الكثير من الحروب والاتفاقات والقرارات الدولية. وعرفت أيضا تفاهمات ثنائية فلسطينية - إسرائيلية وُقِّعت بإشراف دولي وإقليمي ونصت على قيام «دولة» خلال فترة عشر سنوات من التوقيع. وقبل أن تمضي المهلة الزمنية أقدمت حكومة ارييل شارون بدعم أميركي على تقويض تلك السلطة ومحاصرتها وإضعافها وتفكيكها وصولا إلى إنهاء ظاهرة ياسر عرفات.

المشكلة معروفة وليس صعبا تحديد الجهة المسئولة عن التهرب من تنفيذ القرارات الدولية والتفاهمات الثنائية. كذلك ليس صعبا توضيح صورة الطرف الذي استغل هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 لشن هجمات حطمت السلطة الفلسطينية وبعثرتها إلى مراكز قوى سهلت لاحقا تشكيل توازنات محلية أنهكت ما تبقى من وحدة داخلية.

هذا التوصيف للمشهد الفلسطيني وما آل إليه من تمزق سياسي لا يمكن أن نقرأ تفصيلاته من دون تأكيد المسئولية الإسرائيلية المباشرة عن تداعياته والدور الأميركي في تغطية تل أبيب ودعمها المطلق في كل المجالات والتحركات. فما حصل في غزة ليس نتاج اختلاف في وجهات النظر الفلسطينية بقدر ما أن اختلاف وجهات النظر هي نتاج سياسة مبرمجة ومخططة نظمت عملية وصول المشهد إلى حاله الراهنة. وادعاء أولمرت، بدعم من حليفه بوش، تنصله من المسئولية وإظهار دهشته واستغرابه مما حصل في القطاع مجرد مناورة لكسب الوقت في اعتبار أن «إسرائيل» هي المستفيد من تلك الكارثة في حين أن الخاسر الأول هو الفلسطيني وبعده الأردني والمصري.

لاشك في أن أولمرت سيُقْدِم في بداية جلسات القمة الرباعية على رمي قنابل «مسيلة للدموع» بهدف حرف الأنظار عن المشكلة الأصل. وسيعلن استعداده للانفتاح على سلطة عباس وتخفيف الضغوط الأمنية وتسهيل مرور البضائع والإفراج عن جزء من الأموال الفلسطينية.

ويبقى السؤال إلى أي مدى سيظل مصير الشعب الفلسطيني معلقا في الهواء ورهين سياسة قررت الاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري وجرف الأراضي وبناء المستوطنات ومنع العودة وغيرها من بنود نصت عليها القرارات الدولية والتفاهمات الثنائية؟ امتناع «إسرائيل» عن الإجابة يعني أن المأساة التي حدثت في القطاع يمكن أن تتكرر في الضفة بعد فترة من الزمن وحين تجف تأثيرات القنابل «المسيلة للدموع».

المشكلة ستبقى تراوح السير في مكانها إذا لم يبادر الطرف العربي إلى الضغط على الجانب الإسرائيلي ومطالبته بالسعي نحو تطبيق تلك التفاهمات الموقعة مع عرفات قبل أكثر من 15 سنة. وبما أن الطرف العربي غير قادر على فرض شروطه ومطالبه مقابل أن الجانب الإسرائيلي غير مستعد لتلبية الحقوق الفلسطينية والرغبات العربية يمكن توقع المزيد من الخراب.

مشكلة مضافة

هذا الإطار المبدئي للأزمة يشكل المدخل العام لقراءة خصوصيات مشكلة إضافية بدأت تبسط مواقعها في قطاع غزة. وتتركز تلك الخصوصيات على أكثر من مستوى. فهناك الجانب المصري الذي أعلن رسميا دعمه سلطة عباس الشرعية وحذر من المخاطر المحتملة على الأمن القومي. وهناك الجانب الأردني الذي أعلن أنه يقف إلى جانب حكومة الطوارئ حتى لا تمتد «الفوضى الأمنية» إلى حدوده المتصلة بالضفة الغربية. وهناك الطرف الفلسطيني المتمثل الآن في شرعية «حكومة الطوارئ» والغطاء العربي الذي اكتسبته، ولكنه يحتاج إلى دعم متواصل لتحصين مواقعه وتعزيزها حتى تصمد أمام متغيرات سياسية دولية وإقليمية في الشهور المقبلة.

يبقى الجانب الإسرائيلي المدعوم أميركيا وهو المعني مباشرة بالتحولات ويحمل معه مفاتيح الحل. فما تلك المفاتيح التي يستطيع أولمرت تقديمها إلى الطرفين العربي والفلسطيني حتى تصبح معالجة المشكلات المزمنة والمستحدثة ممكنة؟

يرجح أن أولمرت لا يستطيع أو غير مستعد لتقديم أية صيغة حل معقولة وموضوعية قد تسعف عباس على الخروج من مأزقه. كل ما قيل وصدر عن واشنطن وتل أبيب لا يتعدى إطار الشكليات والمسكنات والمقويات لإبقاء المريض على الحياة. فالتصريحات الأميركية - الإسرائيلية استنكرت «الانقلاب على الشرعية في غزة» واعتبرت أن ما حصل (الانقسام والتقاتل) ولّد حركة سياسية يمكن البناء عليها لإعادة النشاط إلى اللجنة الدولية الرباعية المكلفة بمتابعة الملف الفلسطيني.

هذا الكلام لا يضعف ولا يسمن لأنه لا يضيف إلى الموضوع إلا تلك الأشياء المكررة التي سبق أن جاء على ذكرها الكثير من اللقاءات والاجتماعات. فهل مثلا تل أبيب مستعدة للبحث في موضوع هدم جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية؟ وهل هي مثلا تخطط لتفكيك المستوطنات ووقف جرف الأراضي ومداهمة البيوت والإفراج عن آلاف السجناء؟ وهل هي مثلا في وارد الإقلاع عن خطة قضم 40 في المئة من الضفة الغربية والاستيلاء على كل القدس وترحيل المستوطنين وإعطاء سيادة للدولة الموعودة؟

الأجوبة يمكن إعلانها من الآن وقبل افتتاح القمة الرباعية في شرم الشيخ. وإذا كانت الأجوبة المرجحة سلبية فما هو الشيء المنتظر الذي يمكن توقعه سوى تخفيف جزء من معاناة الشعب الفلسطيني. الأزمة معقدة والحل مؤجل في الضفة الغربية. وعباس لا يستطيع أن يحصل على ما عجز عرفات عن تحقيقه.

يبقى إذا موضوع غزة. كيف سيتم التعامل مع هذا الملف الذي انفجر دفعة واحدة وانتهى إلى تلك الصورة المأسوية؟ هناك ثلاثة احتمالات يرجح أن تكون موضوع تفاوض أو بحث في قمة شرم الشيخ الرباعية. الاحتمال الأول يميل إلى تغليب الحوار السياسي والعودة إلى التفاوض بين «حماس» و «فتح» في إطار «تفاهم مكة» وتحت سقف جامعة الدول العربية. والثاني يغلب الخيار العسكري ويشجع العودة إلى مشروع إعادة الاحتلال بقصد إخراج «حماس» من القطاع وضبط الاستقرار الأمني بإشراف مباشر من سلطة حكومة الطوارئ. والاحتمال الثالث يركز على ترك الأمور على حالها وتشديد الحصار العسكري على المعابر وفتح أخرى لتمرير المساعدات والمعونات للحد من معاناة سكان القطاع.

الاحتمال الأول يحتاج إلى موافقة عربية (مصرية أردنية) وفلسطينية (حكومة الطوارئ)؛ ما يعني البدء في الاعتراف بما جرى من متغيرات في القطاع. والثاني يحتاج إلى موافقة عربية (مصرية أردنية فلسطينية) وإسرائيلية وهذا غير متوقع باعتبار أن تل أبيب ليست الآن في وارد شن عملية عسكرية كبيرة تستفيد منها سلطة عباس ولا تكسب منها سوى تعزيز الشرعية الفلسطينية محليا وإقليميا.

الاحتمال الثالث هو المرجح إسرائيليا حتى لو كان على حساب الأمن الإقليمي الذي بدأت بعض الجهات العربية التحذير من امتداداته السياسية. فتل أبيب تبدو غير خائفة من تلك المتغيرات التي حصلت على حدودها الجنوبية وهي ترى أنها تصب في مصلحتها على المدى البعيد لأنها تزيد من الانقسام الفلسطيني وتخفف عنها مسئولية المأساة التي ساهمت في صنعها. وبما أن المتضرر هو الشعب الفلسطيني وسلطته، ومصر هي المتضررة أمنيا بسبب تلك الامتدادات المحلية والإقليمية لظاهرة «حماس» والأمر نفسه ينطبق على الأردن، فيرجح أن تتجه تل أبيب نحو خيار ترك القطاع على حاله حتى لا تتورط في مشكلة تصيب غيرها بالأضرار أكثر مما تصيبها.

مشكلة «إسرائيل» الأساسية كانت ولاتزال في كيفية احتلال الضفة أو استقطاع الجزء الأكبر منها وضمها رسميا إلى أراضي 1948. هذه المشكلة تواجه سلطة عباس وليس سلطة «حماس». ولأن اعتبارات المصالح أقوى من الخلافات الايديولوجية فسيتهرب أولمرت من الإجابة عن كل الأسئلة التي تتعلق بأساس المشكلة وأسباب رفض تل أبيب تطبيق القرارات الدولية والتفاهمات الثنائية.

القمة الرباعية ستبدأ اليوم في شرم الشيخ وهناك الكثير من الكلام الذي قيل قبل عقدها وسيقال بعد الانتهاء من أعمالها، ولكن احتمال التوصل إلى تفاهم على حل للمشكلة الفلسطينية وتفرعاتها وتوابعها يرجح أن يتأجل ويترك الحال على حاله... حتى يجف مفعول القنابل «المسيلة للدموع» التي أطلقت من واشنطن وتل أبيب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1753 - الأحد 24 يونيو 2007م الموافق 08 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً