توجهت أمس لأداء عمل رسمي في إدارة التسجيل والمتابعة - قسم الوثائق التابعة لجهاز المساحة والتسجيل العقاري، وكان معي سبعة أشخاص لتوقيع أوراق رسمية عددها ثلاث... الأشخاص السبعة ينتمون إلى ثلاث مؤسسات كبيرة، والجميع ازدحم في ممر ضيق جدا... هناك أيضا سترى مجموعات أخرى شبيهة بمجموعتنا تصطف مع بعضها بعضا بهدف التوقيع على أوراق قليلة. وكل مجموعة لها قصتها في الجهود التي بُذلت من أجل تجميع أفرادها للذهاب إلى جهاز المساحة بهدف التوقيع على عدة أوراق. هناك جنود مجهولون من العاملين يحاولون تسهيل العملية، ولكن الإجراءات جميعها تنتمي إلى عهود غابرة انتهت من كل بلد يحترم العصر الذي يعيش فيه.
في دول عدة لا يحتاج المرء إلى تجميع خمسة أو سبعة مسئولين من مؤسسة واحدة أو من عدة مؤسسات لتمرير معاملة يتطلب التوقيع عليها دقيقتين و40 ثانية بالضبط، على حين الاستعداد لها يتطلب أسبوعا من التخطيط، وساعة واحدة من البحث عن موقف للسيارات، ونحو 45 دقيقة من الانتظار... وبعد ذلك التوقيع يستعجل كل شخص الانصراف إلى خارج المبنى في محاولة لنسيان الأمر بالكامل.
نحن في القرن الحادي والعشرين، ويمكن أن تعطى هذه المهمات إلى المحامين لكي يتبادلوا الوثائق بينهم... فلقد عشتُ في بريطانيا، وفي زمن ما قبل الانترنت وما قبل ثورة الاتصالات، ولم نحتج أبدا إلى الوقوف في طوابير ولم نر أية وزارة، فكل شيء يمكن القيام به من أي دكان لديه خدمة بريد، وإذا كانت هناك حاجة إلى توثيق، فإن المحامي يقوم بكل شيء. ولو كان بلد مثل بريطانيا سيتبع ما نتبعه في البحرين لانهارت إدارة الدولة في يوم واحد أو تعطلت مصالح الناس والشركات وتأخرت عجلة التنمية.
ومما يؤسف له أننا كنا متأثرين بنظم الإدارة البريطانية التي كان يشرف عليها المستشار البريطاني تشارلز بليغريف حتى رحيله في العام 1957، وبعد الاستقلال في 1971 استوردنا كل الإجراءات التي قتلت بلداننا العربية، ومن مصر تحديدا. فمصر كانت في القرن التاسع عشر في مقدمة الأمم. حتى اليابان أثناء مرحلة بداية النهوض كانت تدرس التجربة المصرية، ولكن بعد قرن ونصف القرن من مقارنة اليابان لوضعها بمصر، أصبحت مصر من أكثر البلدان التي يضيع فيها وقت البشر في الإجراءات الروتينية التي تقتل الهمة وتفسح المجال لكل ممارسة غير سليمة. ومع الأسف أننا استوردنا هذه البيروقراطية القاتلة إلى البحرين، ولحد الآن لم نستطع التخلص منها. حتى تسهيل الإجراءات المشهود لها بالنجاح في مركز المستثمرين، مثلا، تتبعه إجراءات مميتة تقتل الهمة وتذبح الطموح، ويضطر البعض من الناس إلى انتهاج أساليب غير سليمة لتمرير أعمالهم.
الإجراءات المتخلفة التي نشاهدها في إدارة التسجيل والمتابعة ليست منحصرة في هذه الدائرة فقط، ولن نستطيع أن ننطلق بقوة مادامت هذه العقبات مستمرة في التنغيص على البشر.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1753 - الأحد 24 يونيو 2007م الموافق 08 جمادى الآخرة 1428هـ