مطالبة الناس الحكومة بتحمل كلف المتعطلين كاملة لا علاقة لها بالأنانية ورفض التكافل الاجتماعي، فالتكافل شأن مجتمعي طوعي لا شأن للدولة بفرضه، فتكافل من تفاعل، وتفاعل تعني تبادل الفعل بين طرفين. وشعب البحرين معروف عنه بتكافله الاجتماعي، وهذه نفحة من آثار القيم الإسلامية التي مازال وجودها ينعش سماءنا بأريجه الفواح الذي ينتشر على رؤوسنا فينعش المحتاج منا ويحافظ على كياننا. والتكافل لا ينحصر في إنعاش الفقراء فقط، فالتعليم التطوعي والتوعية الدينية والثقافية عامة و...الخ كلها من مظاهر التكافل المجتمعي. وما كثرة الصناديق الخيرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها إلا انعكاسا لهذا التكافل، وقد ابتدع المجتمع فكرة الصناديق من أجل تنظيم ريع التكافل المقدّم من قبل الأهالي لضمان أقصى قدر من تحقيق أهدافها، فقد كان في السابق من يمد يده يتكفف ما في أيدي الناس ينال حقه وأكثر، أما المتعفف فقد يبيت جائعا وجاره إلى جنبه شبعانا.
إذا التكافل شأن المجتمع وليس الدولة، ولهذا من الخطأ إرجاع سبب اقتطاع 1 في المئة لمشروع التعطّل - على سبيل المثال - من أجل تفعيل التكافل الاجتماعي، إذ إن الدولة شأنها متعلق بالضمان الاجتماعي أو التكفل حيث كفل بمعنى ضمن (وليس التكافل) أي أنها وبحسب الدستور ضامنة بتوفير حياة كريمة للمواطنين كما جاء في المادة (5) فقرة (ج) وهذا نصها: «تكفل الدولة تحقيق الضمان الاجتماعي اللازم للمواطنين في حالة الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو اليتم أو الترمل أو البطالة، كما تؤمّن لهم خدمات التأمين الاجتماعي والرعاية الصحية، وتعمل على وقايتهم من براثن الجهل والخوف والفاقة». هذا لا يعني ألا تفرض الدولة ضرائب من أجل تحقيق ما جاء في هذه المادة من الدستور، ولهذا وقع أحد النواب في الخلط حين أرجع رفض كتلته لاقتطاع 1 % مستندا لهذه المادة التي تنص على أن الضمان ضد التعطل من واجب الدولة. ومكمن الخلط هنا، أن الدولة - مثلا - من واجبها توفير الضمان الاجتماعي ومنها المعاش التقاعدي، ولكن ذلك وفقا لتدابير معينة، ومنها فرض الضرائب كما هو حاصل حاليا من اقتطاع نسبة 6 في المئة من راتب الموظف، وليس هناك فرق بين الحالين، أي بين الضمان الاجتماعي المتعلق بالشيخوخة والمرض الذي يتم اقتطاع الـ 6 في المئة لأجله أو بين الضمان الاجتماعي المتعلق بالتعطل والذي يقتطع لأجله 1 في المئة من الراتب. كل ما في الأمر أننا نرى في مزيد من الاقتطاع من رواتب العاملين البسطاء فوق هذه الـ 6 في المئة أو المساواة بينهم وبين أصحاب الدخول المرتفعة فيه ظلم كبير، خصوصا في وقت ارتفعت فيه أسعار النفط فزادت الموازنة العامة عما قبل بكثير جدا ربما أكثر من 200 في المئة في غضون أقل من عقد من الزمن فقط، بينما ارتفعت فيه كلفة المعيشة بشكل رهيب أيضا فأفقرت الكثير من المواطنين وأخرجتهم من الطبقة الوسطى للطبقة الفقيرة.
المفترض أن يكون الاقتطاع وفقا للضريبة التصاعدية، إذ سترتفع نسبة الاقتطاع على أصحاب المداخيل المرتفعة وتسقط عن المداخيل المتدنية، على سبيل المثال، يُعفى أول 400 دينار من الاقتطاع، ويتم اقتطاع 1 في المئة لما فوق الـ 400 دينار لحد 800، وتزداد النسبة على المبلغ من 800 إلى 1200 لتصل إلى 3 في المئة... وهكذا. وبتطبيق هذا النظام، فإنه تلقائيا سيقود لإعفاء أصحاب الرواتب المتدنية من الدفع من دون أن يخل بمدخول صندوق التأمين ضد التعطل، وهذا النوع من النظام الضريبي معمول به في الدول المتقدمة.
الدولة تمتلك سيوله هائلة تمكنها من تمويل صندوق التأمين ضد التعطل بالكامل، ويكفي أن تتحكم الدولة بما يقارب من الـ 45 في المئة من مجمل الدخل المحلي من خلال الموازنة العامة، وتشكل إيرادات النفط 77في المئة منها، مع أن هذه الموازنة معفي - تقريبا - القطاع الخاص من المساهمة فيها، بعكس الدول ذات الدخل العالي مثل النرويج والسويد والتي تصل الموازنة ما يقارب 45 في المئة من إجمالي الدخل المحلي (نفس البحرين تقريبا) ولكن بواسطة الضرائب على الدخول العالية والشركات.
بالتالي إذا كانت الدولة تزعم بعدم كفاية مردود النفط لتحسين حياة المواطنين، لماذا لا تقتفي أثر تلك الدول المتقدمة في فرض الضريبة التصاعدية بدلا من ترك المترفين في مزيد من الرفاهية والترف، ومحاصرة ذوي الدخل المحدودة وإرهاق مستوى معيشتهم ودخلهم الذي يستنزفونه على ضروريات الحياة فقط؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1752 - السبت 23 يونيو 2007م الموافق 07 جمادى الآخرة 1428هـ