قرأت تلك الرسالة القصيرة من عدة رسائل ترسلها إحدى شركات الهواتف الموجودة في البحرين، والمعنونة تحت مسمى «شخابيط المشاعر»، ويبدأ نص الرسالة بطريقة جذابة: شخابيط المشاعر... كأن الكون في حقائبهم... يرحلون، ويرحل كل شيء معهم.
بالفعل هذه هي شخابيط المشاعر وفوضى الأحساسيس، التي تصعد قلب الإنسان إلى الأعلى وفي أسمى حالات العشق والسعادة، وتنزله إلى الأسفل في درك البؤس والتعاسة، عندما يرحل المحبون عمّن يكنون لهم أقوى المشاعر الموجودة في خلجات النفس.
إن هذه الفوضى التي قد يعيشها أي فرد في أي وقت كان، ما هي إلا دليل قوي على حتمية الوجود، والاعتراف بما هو موجود أصلا ولكن غير موجود، فنحن نشعر بهذه الفوضى ولا نلمسها، ويعصرنا تضارب من الحب والهيام والكره والحزن ولكن لا نستطيع رؤية وتلمّس هذه الأحاسيس.
إن بعض الفوضى تكون مهمة في حياة الإنسان، وبعضها يقتله، والبعض الآخر يكون نكسة عليه وشقاء له، ولا نعرف متى تبدأ هذه الأحاسيس وتنتهي، أو متى تقلّ أو تزيد أو كيف نسيطر عليها، بل كل الإجابات تقود إلى أننا نغذيها في بعض الأحيان على رغم إدراكنا بأنها في يوم من الأيام ستجهدنا وتؤذينا.
فهناك من يدخل في حالة حب وهو على علم بأن الإنسان الذي يحبه لا يناسبه، ولا يبادله المشاعر التي يحملها له، فيغدو في دوامة الحب والكره معا، إذ إنه يحبه ويتمنى منه المبادلة، ولكن في الوقت نفسه يشعر بفوضى داخله تريد البعد عنه وكرهه لعدم احترامه لهذه المشاعر الفياضة.
وهناك من يتعرف على ذلك الشخص الذي يناسبه، ولكنه يدخل حياته في الوقت الضائع، إذ يكون هذا الشخص مرتبطا أصلا بزوجة وحياة أخرى فلا يستطيع الاستمرار في الحب، ولا يستطيع التوقف عن الحب، وأعتقده يقول في نفسه ما هذا الشقاء وما هذه الفوضى التي أعيشها؟!
فالحب أتى متأخرا كالعادة ولم يعطه وقتا ليجيب الباب المطروق، بل دخل الحب ودخلت الفوضى وأصبح الإنسان بين نيران ولخبطة وأحاسيس تدق في القلب والنفس والجسد، فلا يرى في هذه الفوضى إلا اللذة، لقوة المشاعر التي تهز الكيان وتنادي الوجدان.
لذلك وجب علينا المكوث مع أنفسنا كثيرا، والتفكّر في أحوالنا أكثر، فالحب والكره هما القاعدتان الرئيسيتان لفوضى المشاعر، ومتى استطعنا ترويضهما، وأغلقنا أبوابا لا يجب أن تفتح، ارتاحت النفس وابتعدنا عن الفوضى واستقرت حياتنا أكثر، ومتى فتحنا أبوابا مغلقة ما كان يجب فتحها، فإن المشكلات والفوضى وتخلخل النظام النفسي سيرجع إلينا وسيهدم آخر شعرة سلام في أنفسنا.
والوصية تقول: لا تفتحوا بابا وأنتم تعلمون بأن نهايته ستقتلكم.
إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"العدد 2261 - الخميس 13 نوفمبر 2008م الموافق 14 ذي القعدة 1429هـ