العدد 1751 - الجمعة 22 يونيو 2007م الموافق 06 جمادى الآخرة 1428هـ

هل هي جريمة؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

عندما تأخذ المواطن الحمية لينهض للدفاع عن سواحله التي لم يبق منها شيء للتنزه فيه أو للاستجمام، ما تبقى لدينا في ذاكرتنا سوى اسمها، فهل تعد الحمية والنزعة الفطرية في الدفاع والمطالبة بالحقوق جريمة، يستحق حينها المواطن المكلوم المواجهة؟، أم أن ما حصل للمعتصمين في الاعتصام الأخير الذي نظمه أهالي قرية المالكية تحت عنوان «إلا البحر» ضرب من ضروب المبالغة؟، ألا يحق للأهالي الذين اغتصب حقهم أن يعبروا عن غضبهم ومشاعرهم تجاه من حاول مصادرة حقهم الطبيعي في الاستمتاع بالمناظر الطبيعية، بعد أن منعوا من البحر عندما أقيم سياج حوله قبل عامين وبعد أن انتصرت الإرادة الشعبية وتدخل جلالة الملك فقد أُزيل الجدار العازل، إلا أن المحاولة تكررت من جديد بشكل آخر وبأسلوب أزعج أهالي القرية والمتابعين.

ما حصل أخيرا في المالكية عندما خرج الأهالي في اعتصام مرخص من قبل الجهات المعنية، معبرين من خلاله عن غضبهم، بسبب مضايقتهم من جهة ومحاصرة البحر الذي يحيط بالقرية من جهة أخرى ضاربين بعرض الحائط مشاعرهم، وملحقين أرزاق الأسر الفقيرة الذي لايزال البحر المصدر الأول والأخير لرزقهم، فقد حرموا من البحر ومن خيراته الكثيرة، وهكذا أصبح حال البحرين فلم يعد الحال قاصرا فقط على قرية المالكية وساحلها البديع وإنما الأمر أمتد ليشمل كل سواحل البحرين ولكن يزيد الأمر في بقعة وينقص في أخرى والنتيجة واحدة لا بحر ولا مياه لم يتبق أمامنا أي سبيل.

لقد أصبح أطفالنا الصغار وللأسف الشديد لا يميزون بين البحر والبحيرة أو أي مصدر آخر للماء فالبحر أصبح بقدرة قادر بحيرة صغيرة لا حياة فيه، في الوقت التي تسمى فيها بلدنا «البحرين» كما يعبر عنها بالجزيرة، وكما نراها على خريطة العالم والمياه تحيط بها من جميع الجهات، ولكن بفعل القدر لقد حوطت وردمت الجهات الأربع للجزيرة لتبقى الجزيرة مسجونة ، الآن لم تعد البحرين كما عهدناها من قبل، فقد تغيرت ملامحها الجميلة، وتغير جسمها الممشوق، ولم تعد البلدة الرشيقة ذات القوام المرسوم، وأصبح شكلها جراء التشوهات الخلقية ونتيجة ردم السواحل والشطآن أشبه بالشكل المستطيل، تغير منظرها، وفقدت رشاقتها وبريقها على خريطة العالم, وأصبحت يابسة متصلبة لا حياة فيها، ويعيش الناس فيها حالا من حالات الحرمان من رؤية البحر والجلوس على سواحله.

ما يؤسف له أن ما يحدث ليس من أجنبي طامع، ولكن من متنفذين جشعين تعودوا على ألا يناموا حتى تمتلئ بطونهم.

ما حصل للجزيرة الرطبة «عروس الخليج» أنه تم الاستيلاء على كل سواحلها وبحرها وأصبحت جزيرة بلا شواطئ، حصل ذلك على شكل دفعات وفي غمضة عين، ساحل وراء الآخر وجزيرة تلو الجزيرة وفشت تلو الفشت.

أصبحنا نتعطش أكثر لرؤية البحر ولشم نسيم هوائه، خصوصا مع تردي الأوضاع المعيشية، ومع رغبة الإنسان إلى تغيير الجو؛ ليهرب حينها بهمومه وأحزانه بعيدا عن منغصات الحياة إلى الصديق الوفي المستمع الجيد الذي لا يرد من يلجأ إليه فهو كبير يتحمل ما يتحمل من هموم وأوجاع إلا وجع فراقه لم يعد يقوى على احتماله، ففي السابق عندما يريد المواطن البحريني أن يعبر عن همه لا يتعب في البحث عن الصديق الذي لا يخذله أبدا ولا يتردد في الذهاب إلى البحر فأصبح حمال الآسية، فمن منا لم يتجه مرة إلى البحر ليشكو له همه؟ ومن منا لم يلجأ إلى البحر ورفض طلبه ولم تستقبله أحضانه؟

فعندما نتذكر الطفولة نتذكر على الفور البحر، وعندما نتذكر البحر فإننا نتذكر على الفور طفولتنا البريئة المفعمة بالعلاقة العاطفية مع البحر، فهناك علاقة ترابطية وحميمية بين الطفولة والبحر لا يمكن لأحد نكرانها، فقد ودعنا طفولتنا وودعنا حينها البحر، لم نخاصمه أبدا ولم يخاصمنا ولكن حرمنا منه، وحرموه منا، هذا الذي لا نجده بشكل قطعي في طفولة صغارنا، فصغارنا لم يعيشوا العلاقة البينية مع البحر فلا البحر يعرفهم ولا هم يعرفونه وكانت الظروف أقوى وأقسى، فقد حرموا من الارتماء في أحضانه، وحرموا من السباحة فيه أو التعرف عليه.

شعرت بالغصة وربما هذا حال الكثيرين من حولي فالهم واحد، عندما سألني طفلي ذو الست سنوات وهو الذي أخاله يعرف الكثير من الحقائق والأمور، وأعتبره طفلا مطلعا ومثقفا، إلا أنه فاجأني عندما سألني هل البحر يا ماما ممكن أن نسبح فيه؟ وأين هو البحر؟ تعجبت من السؤال وتحيرت في الإجابة عليه، وبدأت الجواب بأنك: هل فعلا لا تعرف الجواب؟، أم أنك تمزح؟ فكان الحال أنه بالفعل لا يعرف الجواب، وعندما أخذته إلى بحر المالكية وجده مكبلا وكعادته أخذ يسأل وأنا أجيبه، وبعد أن اطلع على الحقيقة المرة شعر بالإحباط واليأس ومن ذلك اليوم نمت بينه وبين البحر علاقة حب قوية نشأت على العاطفة وغذته الشفقة، وزاد الحب بسبب الشوق ربما وبسبب الحرمان السبب الأقوى، فالشوق أصبح أكبر وأغزر لأنه لم يعد يرى البحر الذي أحبه كثيرا.

فهل هي جريمة أن يحب أهالي المالكية بحرهم وساحلهم ويعتصمون وربما يتظاهرون للدفاع عنه وللمطالبة بإرجاعه؟ أم الجريمة أن نقف مكتوفي الأيدي وشبرا شبرا من بلدنا يحاصر وتكبل؟ أفتونا يرحمكم الله.

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1751 - الجمعة 22 يونيو 2007م الموافق 06 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً