قضية جوهرية تواجه أولئك الذين يسعون إلى تهدئة آخر جولة من النزاع في الأراضي الفلسطينية: كيف يمكن لحماس أن تصبح وسيط قوة في زمن تتعرض فيه إلى مقاومة من قبل المجموعات الإقليمية والدولية؟
الاهتمام الأساسي يُركز على نوعية الحياة اليومية البائسة التي يُعاني منها الفلسطينيون، وكذلك اليأس السياسي الذي يستهلك نفوسهم.
إن نشوء حماس هو نتيجة مباشرة للفشل الذريع الذي مُني به الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسلفه ياسر عرفات بالتفاوض والتوصل إلى أوضاع أفضل لشعبهم تستند إلى أسس اقتصادية صلبة.
الانهيار قد نشأ عن الجمع بين حكومة فاشلة غارقة في الفساد وفشل «إسرائيل» في دعم وتنمية شرعية السلطة الفلسطينية. وأدت النتيجة إلى نشوء عدم الثقة والإحباط واليأس الذي ساعد في نهاية الأمر إلى وصول حماس إلى السلطة.
عندما نتأمل في الذكرى الأربعين لحرب 1967 العربية الإسرائيلية فإننا نستذكر التدهور المتواصل في الأوضاع الاقتصادية للشعب الفلسطيني. ففي العام 1968 كان متوسط دخل المواطن العادي الإسرائيلي عشرة أضعاف متوسط دخل المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة اللذين كانا قد احتُلا في ذلك الوقت. واليوم فإن الناتج المحلي الاجمالي للفرد الإسرائيلي هو أكثر من 20 ضعف الفلسطيني. كما أن أكثر من 60 في المئة من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر.
في غزة وهي قلب الصراع الأخير، فإن الوضع هو الأسوأ. ففي تقرير صدر أخيرا عن صندوق النقد الدولي/ البنك الدولي، تبين أن 75 في المئة من سكان غزة يُعتبرون فقراء وأن أكثر من 40 في المئة منهم عاطلون عن العمل. وخلافا للاقتصاد الإسرائيلي المزدهر، فقد فشل الاقتصاد الفلسطيني في إحراز التقدم. الأوضاع الرهيبة يُمكن تفسيرها جزئيا كنتيجة للإغلاق الاقتصادي والجغرافي الذي فُرِضَ على قطاع غزة وهو من أكثر المناطق اكتظاظا في العالم.
الفجوة الاقتصادية بين «إسرائيل» والسلطة الفلسطينية ستتسع وفق التقديرات. هذا التفاوت الاقتصادي قد ساهم في تغذية الشعور العميق بالإحباط واليأس على مستوى شخصي عميق بين الشباب الفلسطيني، بحيث أشعل الغضب وأثار العواطف التي بدورها تُشعل العنف، بحيث أصبح ذلك الشباب هدفا طبيعيا للتجنيد في منظمات متشددة مثل حماس.
ربما تكون الفرصة الذهبية المضاعة في عقد السبعينات والثمانينات عندما كانت «إسرائيل» تسيطر بشكل تام على الضفة الغربية وغزة. كان يتوجب على «إسرائيل» استثمار موارد كافية في الاقتصاد الفلسطيني بهدف رفع المستويات الاقتصادية فوق تلك القائمة في البلدان العربية المجاورة. لو تم مثل ذلك لكان استثمارا حكيما، لأنه كان سيجلب مزايا مقارنة للشعبين كليهما. الحوافز الاقتصادية والتنموية المركَّزة كان بإمكانها تحسين نوعية الحياة وإيجاد قفزات نوعية كبيرة على مستوى المعيشة. فالرفاهية هي أفضل سلاح لمجابهة التشدد والتعصب. ربما كان باستطاعة وارين بافيت وغيره من الرياديين الاستثمار لا في «إسرائيل» وحدها ولكن في رام الله والخليل ونعم، كذلك في غزة!
إن أكثر مصادر بعث الأمل والحياة الطبيعية للفلسطينيين تكمن في دفع مباشر للعجلة الاقتصادية التي توقفت عن الحركة إلى درجة خطيرة من البُطء. إنها لحظة مفصلية للفلسطينيين. هذا سيكون السلاح الأعظم الذي يمكن بواسطته تهميش التشدد من الداخل. فالفلسطينيون يحتاجون إلى أن يفهموا بأن وطنا مُستقرا يقوم على عاملين أساسيين اثنين: حكم القانون والنظام بالإضافة إلى اقتصاد سليم وشفاف. إنهم يحتاجون إلى المساعدة الدولية في كلا الهدفين في آن معا، وفي الحال.
لقد حل الرئيس محمود عباس وزارة حماس وأعلن حكومة الطوارئ. ومن الأمور الحتمية أن تقوم المجموعة الدولية بالتقدم نحوها ومساعدتها. مساعدات عاجلة وكثيفة هي ما تحتاج إليه لضمان بقائها. وحيث تخرج حماس كقوة متشددة ترفض المهادنة، يتوجب على المجموعة الدولية بشكل عاجل مساعدة السلطة الفلسطينية للوقوف على رجلها. التردد في فعل ذلك قد يكون خطوة إلى الوراء وأمرا خطرا وله ثمن باهظ.
إن النجاح الاقتصادي التاريخي الذي حققته «إسرائيل» ما بين العام 1950 و1965 يرجع إلى حد كبير إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية عليها وبشكل رئيسي من الولايات المتحدة التي سمحت لـ»إسرائيل» بالاستثمار في المشروعات الداخلية. وبلغت المساعدات في بعض السنوات إلى ما يقارب أكثر من 25 في المئة من ناتجها القومي الاجمالي وأتاح ذلك القيام ببرامج استثمارية كبيرة أبقت التنمية موازية لتدفق السكان المهاجرين ولتوسيع الاقتصاد.
الفلسطينيون الآن يحتاجون إلى تدفق رؤوس أموالٍ مماثلة والتي من شأنها أن تسمح لهم بتطوير وإنضاج اقتصادهم وخلق فرص عملٍ يحتاجون إليها احتياجا كبيرا. أما البدائل لذلك فهي معتمة.
ستستمر الأنباء السيئة في القدوم من الشرق الأوسط. تشدد حماس وتطرفها هو ظاهرة خطيرة. إنها تحمل في طياتها خطر القضاء على استقرار المنطقة على المدى القريب وتأخير الوصول إلى حل للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي على المدى البعيد.
إن ضمان اقتصاد فلسطيني سليم هو ذو أهمية كبرى. دعوا الناس تعود إلى العمل. دعوا الناس تعود إلى الشعور بالارتياح والأمن الشخصي والمالي. فإن من شأن ذلك إعادة حدٍ أدنى من الشعور بالأمل والتطلع إلى المستقبل.
*عميد تنمية الموارد في كلية هاريس للسياسات العامة في جامعة شيكاغو،
والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية»
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1751 - الجمعة 22 يونيو 2007م الموافق 06 جمادى الآخرة 1428هـ