تغنى الكثير في ستينات القرن الماضي بأمجاد الساحة الفنية المصرية والعربية، التي تنافس على ساحتها عشرات الفنانين، الذين حفروا لأنفسهم بصمة مميزة في سماء الغناء العربي، وخصوصا مع احترام الفنان لنفسه وفنه وجمهوره، ولكن الموجة الغنائية في مصر والوطن العربي هذه الأيام، اتسمت بالتردي في كل شيء الفنان، وكلمات الأغاني والألحان، وأصبحنا نعاني من غياب في الإشكال الثقافي الذي خلفته الفضائيات، واتجاه المنتجين إلي الربح السريع دون مراعاة للذوق العام، وعلى رغم ذلك، هناك مطربون مازال ينحني لهم الكثير احتراما لفنهم، لأنهم أصحاب مبدأ في الالتزام بالقيم والأخلاق، وعلى الجانب الآخر نجد أن مطربي هذه الأيام يلجأون إلى تغيير ملامحهم، كنوع من إخفاء العمر الحقيقي لهم تحت مسمى النيولوك، وهو ما يغير من نظرة الجمهور لهم. عن كلمات الأغاني ونيولوك المطربين كان هذا التقرير.
يقول الشاعر الغنائي بهاء الدين محمد: إن أغنية هذه الأيام سريعة، وليس لها مضمون، فكلها كلمات ترفيهية تحاول أن تساير الواقع المعاش، الذي طغت فيه المادة على كل شيء، فأين مستمعو هذه الأيام من الجلوس ثلاث ساعات داخل المسرح لسماع أغنية لسيدة الغناء أم كلثوم، فالحالة المزاجية للشعب تغيرت، وحل محلها الاستماع إلى جيل سن الثلاثين، وعلى رغم كل هذا مازالت هناك أغان تستحق الإشادة، لأنها تحمل فنا راقيا، وألحانا متميزة، مثل: أغاني «ماجدة الرومي» التي تحمل كل معاني الطرب الجميل، ونفس الأمر مع «علي الحجار، محمد منير» الذي حقق معادلة صعبة في الجمع بين الطابع الشبابي، والتراثي.
وأضاف أن لكل عصر أغنيته، ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن الأغاني الهابطة أقل بكثير من الأغاني الجيدة، ولكن المعادلة في تناول الصحافيين لها، الأمر الذي رفع من شأنها على حساب الأغاني الهادفة، وهناك أغاني لمطربين ومطربات شباب، حاولوا أن يخترقوا حاجز الصمت بها، مثل المطربة «شيرين عبدالوهاب»، وأغنيتها «لازم أعيش» التي تحمل المعني والمغني، وأغنية الفنان «ماجد المهندس»، «والله واحشني موت» كلمات الشاعر «فائق حسن».
ربح سريع وأضافت الشاعرة «عبير الرزاز» أن الأغنية الحالية تقدم للترفيه عن الناس وليس للطرب، وتهدف للربح السريع بعيدا عن تقديم أصوات جديدة، وأغاني هذه الأيام يتم سماعها أثناء ارتداء الملابس فقط.
كما أضافت أن سبب انحدار الأغنية هو المنتجين الباحثين عن المكسب دون مراعاة للذوق العام في تقديم الكليبات المبتذلة والكليات المخجلة ليس هذا فقط، وإنما هناك عوامل أخري تتمثل في المطرب والمطربة، الذي يوافق علي غناء كلام هابط ، ولحن سيء وأيضا الملحن، الذي يقبل كلمات بها إيحاءات جنسية.
وأضافت لا أعفي كاتب الأغنية من اللوم لكننا نري بعض المطربين يكتبون الأغنية ويلحنونها ويغنونها، ويصل الأمر إلى التوزيع، وإخراج الكليب.
أما من ناحية- عمر المطرب - فتقول عبير إنه ليس له علاقة بالصوت ولا الموهبة ، فمثلا قدمت «وردة» مؤخرا ألبوم أغاني جديد، ضمن أغنيات مسلسلها «آن الأوان» وكان أغلب جمهورها شباب.
وتكرر نفس الأمر مع «فيروز»، و»ماجدة الرومي» خاصة في أغنية «اعتزلت الغرام» التي حققت فيه نجاح غير مسبوق، من خلال استفتاء فني عليى إحدى مواقع الإنترنت والذي صوت فيه المشاركون علي صوت وأداء وكلمات ماجدة وفيروز ، وكانت الشريحة العمرية للمشتركين من 25-18 سنة.
عصر الانفتاح وترى المطربة مايا نصري أن الأغنية العربية تعيش عصر الانفتاح بسبب الفضائيات، ومع ذلك فإن هناك نماذج كثيرة، أساءت إلى الساحة الغنائية، وأعترف أن غالبية هذه النماذج لبنانية الأصل، وهو ما جعل الفن اللبناني ومطرباته أنظار من الجميع، وأصبحت النظرة الموجهة إلينا كلها إثارة، وليس معني هذا أن كل اللبنانيات سيئات بدليل وجود المطربة «فيروز» التي لم تضحك يوما وهي تغني، ولم نشاهدها ترقص وتتمايل، فالمحترمات لأنفسهن ولفنهن.
وأضافت «مايا» أن عمر الممثل ليس مقياسا لفنه ونجاحه، فالفنان «وديع الصافي» نموذج حي يشارك ويغني بأجمل الألحان كذلك «عمرو دياب ومحمد منير» مازالوا مطربين الشباب، ومن أهم الأصوات الموجودة حاليا علي الساحة، لأنهم يجمعوا بين الصوت الجيد، ولقدرة اختيار الكلمات والألحان، حتى توقيت الحفلات، ومواعيد صدور الألبومات، وينضم إلى القائمة «هاني شاكر» الذي يعتلي عرش الغناء العربي، وكل معجبيه ومستمعيه شباب ، ودليل نجوميته يكمن في حفاظه علي التواجد والتميز حتي عندما قرر اعتزال الغناء لتردي أحوال الساحة الفنية، طلب منه الجمهور العودة حرصا علي فنه الجميل.
عبث غنائي وأشارت الفنانة منى عبدالغني أن الساحة الغنائية الآن تعبث بالمستمع ، ففكرة الأغاني السريعة موجودة من نصف قرن، والدليل «شادية» التي قدمت أغاني خفيفة وعصرية في ذلك الوقت، مثل «مكسوفة منك»، «علي عش الحب»، أما الآن فنحن نستمع إلي «واوا أح، أخاصمك آه» وهو ما يتعارض مع ثقافتنا فنحن شعب صاحب حضارة.
وأضافت ألوم علي المسئولين والمساهمين في حدوث هذه الأزمة الثقافية، فنحن تربينا علي «عبدالحليم حافظ وشادية ونجاح وأم كلثوم» أما الجيل الجديد تربي علي «سعد الصغير وشعبان عبدالرحيم ونانسي عجرم» وبوسي سمير».
وترى «منى» ضرورة أن يراعي كل مطرب سنه، خاصة عندما يفكر في تغيير مظهره وشكله بأسلوب النيولوك، الذي يحول العجوز إلي صبي، ويغير في ملامح الوجه. وتتمنى «منى» أن يراعي كل فنان سنه، ويقدم ما يناسبه ويليق به، لأن ذلك ينقل لأبنائنا القدوة، والحفاظ علي الاحترام والمبادئ التي تقدمها رسالة الفن ، وقد جاء في الأمثال القديمة إذا أردت أن تتعرف علي شعب، فانظر إلي ثقافته وفنه، وللأسف نحن لا نملك الاثنين!
احترام فني ويقول المطرب طارق فؤاد: إن مسألة الفنان ليس لها علاقة بالعمل الفني، وأكد أمثلة «مارسيل خليفة» ووديع الصافي وسعدون جابر و»كاظم الساهر» جميعهم تخطوا سن الأربعين ولهم الاحترام عند الناس، لأنهم يحترمون أنفسهم، ويقدمون فنا يخلد تاريخهم، وما يحدث الآن هو تطوير للفنان من نفسه في حدود المسموح به، سواء كان في الشكل أو في المضمون الفني، والمثال علي ذلك «وليد توفيق وهاني شاكر» فنانون لم نرهم إلا في شكلهم المعتاد، ومع ذلك هم نجوم كبار، الكل يحترمهم ويقدرهم، ويتعامل معهم علي أنهم رموز كبيرة في سماء الأغنية العربية، وعلى رغم أن «وليد توفيق» لبناني الأصل، لكنه لم يغير في شكله عكس المطرب «إيوان» و»جاد شويري»، حيث أعتقد الجميع لحظة ظهورهم علي الشاشة ، أنهن مطربات جدد، وهذا هو حال الأغنية التي تعيش نوع من غياب المضمون والتردي الفني ، الذي جسده المطرب الشاب «تامر حسني» فعلى رغم صوته الجميل، وشعبيته إلا أنه ضحي بكل ذلك، وتسبب في تشويه سمعته، ونفس الأمر مع «هيثم شاكر وبهاء سلطان»، الذي تحرر له أكثر من مرة محضر سكر وتعاطي، فهذا هو جيل المطربين الحاليين، الذي اتخذه الشباب قدوة.
نقص فني
وباستطلاع رأي الشباب أكدوا أن المطرب، لا يصبح نجما بشكله أو بملابسه وإنما بصوته، واختياره الجيد للأغاني، مثل «أصالة وآمال ماهر»، أما الاعتماد علي الشكل والمظهر، فهو عبارة عن تعويض لحالة من حالات النقص والافتقار الفني، الذي يعيشه المطرب. كما أن الساحة الغنائية بحاجة إلي أصوات وكلمات، ذات معني راقي، وليس إلى أجساد عارية، خاصة وأن العلاقة بين المستمع والمطرب، علاقة فنية بحته، لا دخل للملابس ولا العمر فيها، والمثال علي هذا المطرب «محمد منير»، فهو علي شكله وهيئته، منذ أن بدأ الغناء، وبالنسبة لحال الأغاني أجمع الشباب أننا أصبحنا في مجتمع يعتمد علي الجمهور الحرفي والعمالي، لذلك ظهرت نماذج غنائية وليست مطربين، مثل: «سعد الصغير وطارق الشيخ وبوسي سمير»، أما عمرو دياب وإيهاب توفيق وكاظم الساهر «فهم نجوم مهما تقدموا في العمر، لأنهم رموز حافظت علي نفسها وفنها.
وأشار الاستطلاع إلى أن الكارثة في البرامج التي تقدم فرق الرقص، مثل: برامج «هالة سرحان» التي تحضر المطربين وفرقهم، وفرقة البرنامج الراقصة.
وطالب القائمون علي الاستطلاع من هيئة الرقابة علي المصنفات الفنية أن تراجع نفسها في المستوي المتدني الذي وصل إليه حال الأغنية، التي استخفت بالمشاهد.
العدد 1751 - الجمعة 22 يونيو 2007م الموافق 06 جمادى الآخرة 1428هـ