بينما كان طوني بلير يحضر أمس آخر جلسات الحكومة البريطانية بصفته رئيسا للوزراء، خصّصت صحيفة «الإندبندنت» صفحتها الأولى لنشر كتاب مفتوح، وجّهه رجل الأعمال البريطاني جوزيف كور - وهو صاحب شركة ناجحة للثياب الداخلية - أعلن فيه رفضه لقبا شرفيا تمنحه إياه حكومة بلاده؛ لاعتراضه على سياسات بلير في العراق وأفغانستان، وتحالفه مع الرئيس الأميركي جورج بوش.
كور اعتبر قبوله اللقب يجعله شريكا في نظام بلير «الفاسد» بحسب وصفه. وأشار في الكتاب المنشور أمس إلى نتائج غزو العراق بقوله: «إن ما يجري هناك مأساة إنسانية ويمثل الفضيحة الأكبر في العصر الحديث».
إلى ذلك، يذهب كور إلى وصف بلير بـ «المنافق»؛ لأنه برّر الغزو بدوافع أخلاقية، على حين الدافع الحقيقي هو المصالح الاقتصادية. ويقول: «كان يمكن أن أحترم وجهة نظر بلير لو قال إنه ذاهب إلى الحرب لأسباب اقتصادية. لهذا لا يمكنني قبول التكريم من شخص غير صادق مثل بلير».
هذا الموقف الصريح من تاجر ملابس داخلية بريطاني، لم يجد مندوحة من وصف بلير بالنفاق والكذب والتزوير، وهو موقفٌ يدركه أهل الشرق الأوسط منذ اليوم الأول من الغزو البربري الأميركي البريطاني للعراق... فحرب العراق ستبقى «شديدة المرارة» باعتراف بلير نفسه، فهي كارثة لطخت حكمه وستلطخ تاريخه، وهو أمرٌ تجمع عليه الصحافة البريطانية اليوم وهو يعد الساعات لمغادرة مقر رئاسة الوزراء.
الكثيرون من منتقدي بلير، وصفوه بأنه «كلب بوش المدلل»؛ بسبب تأييده المطلق السياسات الأميركية؛ ودعمه بوش في شنّ الحرب اعتمادا على مجموعة ملفقة من الأكاذيب. ومع ذلك دأب بعض البريطانيين على محاولة إقناع أنفسهم بأن بلير كان يمتلك تأثيرا خاصا على قرارات البيت الأبيض؛ إرضاء لغرور بلدٍ كان يوما امبراطورية لا تغيب عنها الشمس. وعندما اشتدت الانتقادات عليه، وقف خطيبا يقول: «بكل صدق، قمت بما اعتقدت أنه الصواب. ربما كنت مخطئا، ولكم أن تحكموا»، فالمشاركة في تدمير بلد وتشريد الملايين من أهله وإيقاع الفتنة القذرة بين شعبه... يصبح موضوعا لـ «ربما» بين بلير ومستمعيه!
وإذا كان تاجر الملابس الداخلية كور ودّع رئيس وزراء بلاده بهذه اللطمات الموجعة في «الإندبندنت»، فإن «الفايننشال تايمز» استقبلته بنشر خبر قد يعيد إليه بعض الاعتبار، حين أعلنت أن «الولايات المتحدة تبحث إعطاءه دورا كبيرا في الشرق الأوسط»، فبوش لم ينسَ حليفه بعدُ، وهو يفكر في ترشيحه مبعوثا خاصا للجنة الرباعية بعد خروجه من منصبه الحالي.
ومع ذلك تعترف الصحيفة بأنه سيكون من الصعب على واشنطن تكليف بلير بمهمات مثل هذه في الشرق الأوسط؛ لأنه لا يُعد شخصية محبوبة في المنطقة؛ بسبب دعمه ومشاركته في غزو العراق؛ ورفضه دعوة «إسرائيل» إلى وقف إطلاق النار أثناء حرب يوليو/ تموز على لبنان.
«إسرائيل» من جانبها سارعت إلى الترحيب بقيام بلير بهذا الدور، وأعلنت ناطقة باسم الحكومة الإسرائيلية «إن رئيس الحكومة يرحّب بلعب بلير دورا في عملية السلام بالشرق الأوسط»، وهو السلام الذي يعرف معناه جيدا اللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون.
على أن أكبر المدافعين عن بلير، وزير ماليته ووصيّه وخليفته على أمته جوردن براون... الذي أعلن في لحظة من لحظات النشوة أن بريطانيا لن تدرك ما عمله بلير إلاّ بعد مئتي عام!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1750 - الخميس 21 يونيو 2007م الموافق 05 جمادى الآخرة 1428هـ