في المشهد الفلسطيني تتحرك الكارثة الإنسانية والأمنية والسياسية في القتال الفلسطيني - الفلسطيني بين فتح وحماس حيث يقتل الأخ أخاه وتقصف المستشفيات بحجة الثأر لقتيل هنا وقتيل هناك، حتى زاد عدد الضحايا من الجرحى والقتلى على المئات وسط نداءات من هنا وهناك، لوقف إطلاق النار، وسط غياب تام لأي أفق لحل الأزمة المتصاعدة والتي تنذر بعواقب بالغة الخطورة على الشعب الفلسطيني وقضيته الكبرى.
إن السؤال الذي نوجهه إلى القيادات: هل حدثت هذه المعركة بقرار سياسي أو أمني أم إنها كانت من خلال فئات غير منضبطة من هنا وهناك، وفي كلتا الحالتين فإنّ الجميع يتحملون مسئولية أي قرار يصبّ في الاتجاه الذي يمثّل خيانة للشعب كله ولقضيته، وإذا كانت الجهات الكامنة خلف هذه الحوادث من العملاء للعدو، فلا بد من فضحها وعدم الانجرار إلى ما تخطّط له هذه الجهات من إثارة الفتنة وتحريك الكارثة.
إن المعركة الوطنية والإسلامية للفلسطينيين هي ما تخوضه فصائل المقاومة ضد العدو، والتي تردّ على اعتداءات العدوّ بقصف مستوطناته بصلابة جهادية غير عابئة بتهديدات مسئوليه باستمرار مسلسل الاغتيال والاجتياح والتدمير اليومي. وهذا ما يجب أن يدفع كل الذين يخوضون المعارك الداخلية، وفيهم بعض المجاهدين إلى أن يرتفعوا إلى مستوى رسالة القضية الفلسطينية التي هي بحاجة إلى التخطيط السياسي والأمني لمتابعة التحرير وترسيخ الوحدة الجهادية التي تواجه العدو من موقع واحد، وأن يرحموا شعبهم الصابر الصامد الذي يعيش تحت تأثير القصف والتدمير والجوع والحرمان.
إننا نقول للمتقاتلين: إنه من الخيانة العظمى أن توجه بنادق بعضهم إلى صدور بعضهم الآخر، وأن تتحرك المعركة في الداخل لتدمير الواقع الداخلي، وعليهم أن يدرسوا كل مخططات العدو - ومعه أميركا وحلفائها، ضد القضية كلها وأن يتقوا الله في الناس وفي الوطن كله.
وفي المشهد الأميركي، لا يزال الرئيس الأميركي يهدد ويتوعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالحرب تارة وبالعقوبات في مجلس الأمن أخرى، وما يلفت النظر أن مجموعة الدول الثماني قد أصدرت قرارا يهدد إيران بالعقوبات الشديدة إذا لم توقف التخصيب في الوقت الذي يعرف الجميع أن هناك مفاوضات تفصيلية بين إيران والاتحاد الأوروبي بشأن هذا الموضوع، بما قد يؤدي إلى نتائج إيجابية في حل المشكلة. هذا إلى جانب أن الإدارة الأميركية تعرف أن أي حرب ضد إيران ستترك تأثيرا مدمرا على الاقتصاد العالمي، وقد تتسبب في إحراق المنطقة بأسرها.
إن شعوب المنطقة في العالمين العربي والإسلامي لا تتحمل أي حرب جديدة على مستوى الحرب الأميركية الإيرانية لأنها لا تزال تعاني من حروب أميركا في العراق وأفغانستان والصومال والسودان التي أدّت إلى تدمير البشر والحجر وإلى اهتزاز الواقع الاقتصادي والسياسي في شكل وحشي.
إننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى التحرك بقوة ضد السياسة العسكرية للإدارة الأميركية التي يخطط لها المحافظون الجدد من المسيحيين المتصهينين الذين يتحركون لإغراق العالم الإسلامي بالفتن والأزمات والحروب، كنتيجة لحقدهم على الإسلام والمسلمين، وتحالفهم مع الجماعات الصهيونية.
وعلينا أن نرصد الهدف من المناورات العسكرية الأميركية - الإسرائيلية التي جرت في فلسطين المحتلة في منطقة النقب، اذ أعلن أنها تتجه للعدوان المشترك ضد إيران ولو كان ذلك من قبيل الحرب النفسية والسياسية والأمنية. وذلك فضلا عن ضرورة درس دلالة الأسلحة المتطورة المصدرة من أميركا إلى «إسرائيل»، إضافة إلى حركة تصدير السلاح إلى دول المنطقة المتحالفة مع أميركا لاستخدامه في حروبها من خلال قواعدها المنتشرة في المنطقة.
إن الإدارة الأميركية هي التي تحرك الحروب في العالم للسيطرة على مقدرات الشعوب، حتى أنها تضغط على دول الاتحاد الأوروبي من الناحية السياسية، وتدفع ببعض المواقف إلى حرب باردة جديدة... إنها ضد حركة السلم العالمي في كل خططها التي تدمر البشرية كلها...
أما في لبنان، فإن حجم الكارثة التي تتهدده تتعاظم في المعركة الكبرى التي يخوضها الجيش في مخيم نهر البارد التي قد تترك تأثيرها السلبي على الوحدة الوطنية وعلى الدولة المتصدعة والمهددة في وجودها، في الوقت الذي نرى المسئولين يتصرفون كما لو أن ما يجري من حال الحرب المعقدة مجرد اشتباكات محدودة مع جماعة إرهابية خاصة... وتبقى الأزمة السياسية اللبنانية تراوح مكانها، لأن الذين يخضعون للرفض الأميركي للحل لا يزالون يثيرون العقدة تلو العقدة كلما بدرت بوادر جديدة للحلّ الذي قد يفتح الأفق السياسي على اتحاد وطني يتمثّل في حكومة جامعة قادرة على حلّ المشكلات المعقّدة التي بات المواطنون يسقطون تحت تأثيرها، في ظلّ مخاوف تتزايد في الجانب الأمني، المترافق مع استغراق تخديري من خلال إثارة الكثير من العصبيات الحزبية والمذهبية والطائفية.
لقد قيل عن لبنان أنه وطن الإشعاع الفكري والحرية الإنسانية والتعايش الديني، ولكن اللعبة الداخلية من جانب والخارجية من جانب آخر حولته إلى ظلام غرائزي في ظلّ غباء سياسي وفوضى متحركة وطائفيات معقدة، حتى لم يعد القائمون عليه يملكون القدرة على الاجتماع المنتج للحوار، الأمر الذي جعل الأطراف الدوليين يعرضون عليهم اللقاء هنا وهناك، لأن القضية هي أنهم يتطلعون في حل أزمتهم السياسية إلى الدول الأجنبية أو الإقليمية وإلى هذا المحور الدولي أو ذاك، ويتحركون تحت تأثير الخدر الاستهلاكي في تأييد هذه الدولة أو تلك، من دون أن يفهموا أن تأييد الخارج لا يعطي الدولة قوة إذا كانت تعيش الفراغ في الداخل، وأن التأييد الشعبي والتخطيط السياسي والاقتصادي هو الذي يبني للشعب وطنه ويحقق له قوّته وينظم له وحدته. وعلى الطوائف كلها أن تعرف جيدا أن أية طائفة مهما كانت قوتها العددية لن تستطيع أن تحكم البلد وحدها وأن وحدة الوطن في وحدة المواطن وفي امتداد المواطنية هو الذي يحمي كل طائفة في كل عناصرها وقضاياها وخصوصياتها الدينية والسياسية. وعلى زعماء الطوائف أن يرتفعوا إلى مستوى هذه الحقيقة التي تعيد لبنان وطنا للجميع لا ساحة مستباحة للآخرين.
وأخيرا، إننا أمام هذه الجريمة البشعة التي أضيفت إلى سلسلة الجرائم التي تستهدف لبنان كله وتحاول النيل من الاستقرار الداخلي لتترك البلد في مهب الرياح الإقليمية الدولية العاتية، ندعو اللبنانيين جميعا من المعارضة والموالاة أو ممن هم خارج نطاق هاتين الدائرتين، إلى أن ينطلقوا في مواجهة آلة القتل والاغتيال بالعمل السريع لإنتاج واقع سياسي يتوحد فيه الجميع في إطار سياسي جامع تحت عنوان حكومة الوحدة الوطنية أو غيرها من العناوين الوطنية الجامعة، لأن بقاء البلد في حالٍ من الاهتزاز السياسي المفتوح على الخلافات الكبيرة سيترك الكثير من الثغر التي تنفذ منها كل الجهات الساعية إلى إدخال لبنان في دوامة الاهتزاز الأمني خدمة لمصالحها وتنفيذا لأهدافها ومخططاتها... فلننطلق جميعا كخفراء في الجانب السياسي والأمني حتى نجنّب لبنان المزيد من المآسي والكوارث وحتى نخفظ وحدتنا وكياننا وبلدنا.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1750 - الخميس 21 يونيو 2007م الموافق 05 جمادى الآخرة 1428هـ