بالعنوان ذاته بدأت حديثي في ليلة استضافني فيها مجلس الشواطره، أولاد حسين شويطر المحترمين. فهذا المجلس يعج بالحراك السياسي والاجتماعي طيلة شهور الموسم. وهذا المجلس له تاريخ سياسي عريق. وبما أن مجالسنا مدارسنا فإننا نتعلم منها الشيء الكثير، ومجلس كمجلس شويطر يتعلم منه الكثير من العبر والدروس. والمجلس ذاته يعد مصدرا للتثقيف السياسي ومعرفة وتحليل ما تمور به الساحة المحلية والإقليمية والدولية.
حديثي في تلك الليلة تمحور حول «كيل وهيل الأراضي بين غفلة النائب وبؤس الناخب»، وقد أدار الندوة باقتدار عبدالحكيم الصبحي. وقدمت فيها ما وفقني الله إليه. وبدأتها بالنص الدستوري المتعلق بإلزامية توفير الدولة مسكنا ملائما للمواطنين... وهو أحد أسباب اختلال ميزان العدالة والعدل في هذا الوطن ومؤشر على سوء توزيع الثروة.
فمسألة توزيع الأراضي هو من الأشياء الملموسة في حياة المرء، ويتجلى بصورة فاقعة في عملية توزيع أراضٍ كبيرة على قلة من المواطنين بحسب الانتماء العرقي أو القبلي/ العشائري، وتزيد حصة المرء من كعكة الأراضي بقدر نفاقه ومقدرته على عزف نوتة التمجيد السياسي. وتوزيع الأراضي بهذا السوء - أي: «ناس بالكيل وناس بالهيل» - يلاحظه جميع الناس في البحرين، حتى الطفل الصغير حينما يرى والده «يتشحطط» من شقة إلى شقة و «يتمرمط» في طابور الإسكان، في قبال دفان الأراضي وتوزيعها بالصورة الحالية، يدرك أن أمر توزيع الأراضي في البلاد بهذه الصورة هو خطأ استراتيجي سيدفع هذا الطفل ضريبته حينما يكبر «مستقبلا»!
وبما أن المسئولين والنواب لدينا لا يقتنعون إلا بالأمثلة من الدول الأخرى، وكأننا مصابون بعقم عدم المبادرة والتردد والخوف، استعرضت تجارب دولية مدعمة بالأرقام لاستعادة الأراضي وإعادة توزيعها بشكل عادل، من تلك الدول مصر إبان الثورة، إذ كان أحد القرارات الشجاعة، هو المتعلق بمسألة «الإصلاح الزراعي» وتمكين الفلاحين الاستفادة منها. كما جرى شيء من هذا القبيل في سومطرة، فنزويلا، زيمبابوي، ماليزيا، الأردن وإيران إبان حكم الشاه.
المعلومات لدينا في البحرين شحيحة عن أي أمر، ولا يوجد لدينا قانون الحصول على المعلومات كبقية دول خلق الله؛ ما يضطرنا إلى اللجوء إلى تقارير خارجية عن بعض شئوننا المحلية، فقد كان للتقرير الذي أعدته شركة بيت الاستثمار العالمي (غلوبل) عن قطاع العقار في البحرين نصيب من حديثي في الندوة.
أما عن غفلة النواب السياسية فهي تكمن في تمرير الموازنات تلو الموازنات من دون متابعة بعد ذلك للوزير! وأيضا عدم متابعة ما يدلي به وزير الأشغال والإسكان من تصريحات غالبيتها استهلاكية لا ترقى لأن تكون مشروعات حقيقية تساهم في رفد الحل الجوهري للقضية الإسكانية. فماذا تعني تصريحات الوزير المتعلقة ببناء عشرة بيوت هنا وخمسين بيتا هناك أو ألف بيت هنالك، في حين تئن أكثر من أربعين ألف أسرة على قائمة الانتظار لدى الوزارة؟
ومن تصريحات وزير «الإسكان» مذ العام 2004 وهي لا تتعدى حبرا على ورق وبيعا للأحلام الوردية على المواطنين، فلا حل يلوح في الأفق للأزمة الإسكانية! إذ الواقع يشير إلى تزايد أرقام طلبات الإسكان بوتيرة متصاعدة في حين ما يتم بناؤه بحسب خطط وزارة «الإسكان» لغاية 2010 لا يغطي نصف الطلبات المنتظرة على قائمة وزارة «الإسكان». فكيف ستغطي الوزارة الطلبات المستقبلية - أي: المتزايدة لغاية العام 2010 - وهي لم تغطِ الطلبات القديمة؟ أين النواب من متابعة ذلك؟ طبعا «الربع غرقانين في المشمش»!
والسؤال الذي يأتي بعد الإجابات السابقة: أين دور الناخب؟ لماذا ترك الناخبون هؤلاء النواب يتلاعبون بعواطفهم أثناء الانتخابات، وراحوا يدلون لبعضهم بأصواتهم؟ نحن نعلم حجم ما جرى في الانتخابات من وسائل غير مشروعة وترقى إلى الطعن في العملية الانتخابية برمتها، إلا أن ذلك لا يخلي ساحة المسئولية لدى الناخبين الذين ذهب بعضهم بمحض إرادته للتصويت لفلان وعلان، وهم اليوم (الناخبون) يعضون أصابع الندم ويتحسرون على ذلك! ولكن ما الفائدة من ذلك؟
بل إن كثيرا من الناخبين الذين التقيتهم في الأماكن العامة يتحدثون بحرقة عن تخلي النواب عنهم، بعض النواب لا يجيب على الهاتف، والآخر يتماهى في زيادة صورة في الصحف بمناسبة ومن غير مناسبة، الأهم هو وجوده على واجهات الصحافة! والمهم أن تظهر صورته في الصحف، ويشدد على ذلك مع الصحافيين، وإذا لم تظهر صورته مع الخبر «يزعل ويبرطم» على الصحافي والصحيفة! وقديماَ قال السلف الصالح: حب الظهور قاصمة الظهور!
أخيرا، إن مسألة الأراضي يحتاج إلى تضامن شعبي لنصرتها، تضامن يتجاوز التخندق الطائفي أو الاجتماعي أو المصلحي السياسي، إنها قضية وطن بأسره. والتضامن معدوم في هذا الوطن على القضايا الوطنية فالمسألة الطائفية والمصلحية السياسية تتفوق لدى بعض الجمعيات السياسية على المسائل الوطنية. ولم نرَ إلا مجلس شويطر الذي التأم الجميع تحت مظلته طيلة حراكه في الموسم الماضي، ولذلك يعد «مجلس شويطر» أفضلَ بكثير من جمعياتكم السياسية!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ