الابتزاز السياسي في عالمنا اليوم له شكلان، ابتزاز بالترغيب وآخر بالترهيب. في الشأن الكوري الشمالي مثلا مارست الولايات المتحدة عبر المحادثات السداسية سياسة الترغيب فحصلت على ما سعت إليه، إذ اقتنعت بيونغ يانغ طواعية بضرورة تفكيك مفاعلاتها النووية. وفي شأن دارفور استخدمت الإمبراطورية العظمى وحليفتها بريطانيا النوع الثاني من الابتزاز، إذ كانت آخر اسطواناته تلويح الدولتين بفرض حظر جوي على الإقليم. واتخذت فرنسا - المنتشية للتو على يد مجددها نيكولا ساركوزي - طريقا آخر للضغط تمثل في رغبتها فتح ممرات عبر تشاد المجاورة، وذلك بالتزامن مع تهديدات المحكمة الدولية بملاحقة مسئولين سودانيين متورطين في جرائم.
وبما أن العين بصيرة واليد قصيرة، انهارت كل المقاومة الشرسة التي أبدتها الخرطوم في رفض قوات دولية في دارفور والاكتفاء بمساعدة القارة السمراء، بيد أن التمويل كان عائقا آخر. تنازل السودان عن جميع الشروط التي كان يتمسك بها للحفاظ على سيادته ولذلك جاء الاتفاق الأخير بمثابة انتصار للقوى العظمى، واكتفت الخرطوم بالمصطلحات «قوات مختلطة» بل «هجين» لحفظ ماء الوجه، وتخلت عن شرط القيادة والمروحيات الهجومية. كل هذه التنازلات ستكون مبررة لو كانت مهرا للسلام في دارفور ولكن القوى الاستعمارية لديها أجندة خفية ولن تثنيها التنازلات عن فرض حظر على الطيران السوداني في الإقليم وستستخدم المروحيات الهجومية في ملاحقة المطلوبين وربما لن يفلت من سطوتها المسئولون الذين تخلو عن الثوابت الوطنية لأن الهدف الأكبر لقوى الاستعمار الحديث هو فصل دارفور عن الوطن الأم حتى يلحق بالوضع في جنوب البلاد.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ