العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ

لبنان... والزيارة العربية الوداعية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

يرجح أن تنتهي اليوم مهمة الاستطلاع التي قام بها الوفد العربي برئاسة أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى. فالبعثة العربية التي توافق مجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد الجمعة الماضي في القاهرة على تشكيلها بناء على طلب الحكومة اللبنانية لا تملك صلاحياتٍ استثنائية ولا تحمل معها مشروع حل لأزمة شديدة التعقيد. فالبعثة استطلاعية ومهمتها تقصي الحقائق ومعرفة الجهة التي تخطط وتنفذ جرائم الاغتيال ضد رموز تعارض السياسة السورية في لبنان. وبما أن دمشق تنفي الاتهامات التي تُلقى عليها جزافا من دون أدلة دامغة وبما أن حكومة لبنان تؤكد أن النظام السوري يقف وراء آلة القتل والاغتيال تلك، فلا يستطيع الوفد العربي فعل شيء لمنع الآلة من الاستمرار في أعمالها الإجرامية وأيضا لا يستطيع اتهام أي طرف من دون تحقيق جنائي وقضائي في الموضوع. وبناء على هذه المعادلة السلبية يرجح أن ينهي الوفد العربي مهمته من دون التوصل إلى نتيجة حاسمة. وعدم التوصل إلى نتيجة حاسمة يعني سياسيا أن الآلة ستواصل نشاطها وستسجل قضايا الاغتيال ضد جهة مجهولة.

الفشل العربي في مهمة بعثة الجامعة العربية يعني قانونيا أيضا أن البلد الصغير ستبقى ساحته مفتوحة ومشرّعةَ الأبوابِ أمام قوى مختلفة المصادر والمنابت تمارس أنشطتها من دون حسيب أو رقيب بانتظار ما ستسفر عنه التحقيقات التي تجريها هيئة الأمم المتحدة بإشراف لجنة دولية شكلتها منذ سنتين تقريبا.

الفشل العربي في التوصل إلى نتيجة حاسمة يعني دفع لبنان إلى مزيد من الانزلاق نحو خيار التدويل. وبما أن خيار التدويل بدأت آلته السياسية بالتحرك منذ التمديد للرئيس اميل لحود فإن مواصلة تلك الآلة الدولية نشاطها سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان والانفجارات بهدف منع لجنة التحقيق الدولية من التوصل إلى نتائج حاسمة.

لبنان إذا في حال سباق مع الوقت. والوقت لا يعمل دائما لمصلحة طرف ضد آخر. فالسباق الذي وضع لبنان تحت سقف التدويل منذ العام 2004 وتحت القرار 1559 جرجر البلد الصغير نحو مجموعة استحقاقات خطيرة أخرجت سورية عسكريا من لبنان وأودت بحياة كبار رجاله ورموزه من جناح «14 آذار» وتتوجت في صيف العام الماضي بعدوان أميركي - إسرائيلي كبير أفرز تداعياتٍ أمنية واستقطاباتٍ أهلية وسياسية يرجح أن تستمر باتجاه تأسيس قواعد قانونية للتقسيم الإداري.

الحال اللبنانية يرثى لها سياسيا، فهي غير قادرة على تأمين الحماية العربية (الغطاء العربي) بسبب الضعف الهيكلي والبنيوي لجامعة الدول العربية، وغير مستعدة لاستقبال عهد الوصاية الدولية ضمن ظروف إقليمية معارضة. وبين الفشل اللبناني في تأمين الغطاء العربي وعدم قدرة البلد الصغير على السير منفردا في تجرع كأس «التدويل» المرة يرجح أن تستمر الحال إلى مزيد من الانهيار الأمني والتفكك السياسي إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

هذا الأمر السلبي يمكن رؤية خطوطه العامة من خلال متابعة نقاط التوتر الداخلية على المستويين الأمني والسياسي. أمنيا هناك افتعال فتح جبهاتٍ في مناطق مختلفة من مخيم «نهر البارد» في الشمال إلى إطلاق صواريخ كاتيوشا مجهولة المصدر والعنوان في الجنوب موصولة بمعلومات غير موثقة عن حشود عسكرية في البقاع على مقربة من الحدود الشرقية مع سورية إلى استمرار آلة الاغتيال نشاطها في جرف رموز «14 آذار».

بين العراق وغزة

كل عناصر التوتر التي يشهدها البلد الصغير تفتح على الدولة مجموعة جبهات سياسية يرجح ألا تقوى الحكومة على احتواء سلبياتها والحد من تداعياتها نظرا إلى تنوع مصادرها وتعدد الجهات المستفيدة منها.

الدولة مثلا كادت تحقق نجاحاتٍ سياسية في معركة «نهر البارد» بسبب الالتفاف الذي شهدته الساحة وتضامن القوى والرموز من الطرفين (8 و14 آذار) في دعم الجيش اللبناني، وقبل أن تنتهي المعركة افتُعِل حادث اغتيال النائب القاضي وليد عيدو ليجدد الانقسام على الحكومة والانتخابات الفرعية ويمنع على الدولة توظيف نجاحها العسكري في الشمال. فالنتيجة السياسية تساوي صفرا بعد معاركَ دامت خمسة أسابيع وضحايا بشرية وصل عددها إلى نحو 300 من الطرفين وخسائر مادية تقدر بمئات ملايين الدولارات. ومنع الدولة من توظيف نجاحها العسكري المحدود في الشمال يعطي فكرة مختصرة عن ذاك المشهد السياسي الذي يرجح أن يذهب إليه لبنان في حال استمر الغطاء العربي يتراجع لمصلحة استمرار نمو التدويل. وبين ضعف التعريب وقوة التدويل سيدخل البلد الصغير في سلسلة استقطابات إقليمية وتجاذبات أهلية تضع مصيره أمام صورة تشبه ذاك الذي نراه في العراق وفلسطين.

المشهد العراقي مهما قيل عنه من تحليلات وتفسيرات وتأويلات فإنه يتجه نحو الانقسام الإداري (فيدراليات سياسية طائفية). والمشهد الفلسطيني مهما أعطي من قراءات واجتهادات فإنه يتجه بحدود نسبية نحو الانقسام الإداري بين حكومتين: واحدة في غزة وأخرى في الضفة.

لبنان ليس بعيدا عن المشهدين العراقي البعيد نسبيا والفلسطيني القريب نسبيا. وهذا الاختلاف النسبي على المستوى الجغرافي لا يعطل إمكانات دفع البلد الصغير نحو حكومتين تتوزعان المهمات الإدارية في حال فشلت الأطراف المعنية في التوصل إلى صيغة تسووية عقلانية.

الصيغة التسووية العقلانية كان بالإمكان تصور حدوثها نسبيا لو نجحت الدولة في توظيف معركتها العسكرية في الشمال سياسيا. ولكن حادث اغتيال النائب عيدو أعطى إشارة لقوى الاعتراض بالتحرك لمنع احتمال حصول مثل هذا التوظيف لمصلحة الدولة. وهكذا عاد الانقسام الداخلي ليجدد تلك الاستقطابات الأهلية التي تجمد توترها السياسي لفترة محدودة بسبب انشداد الانتباه لمعركة مخيم «نهر البارد».

قبل أن تنتهي إذا معركة الشمال أخذت الدولة تواجه سلسلة معارك محدودة وجزئية معطوفة على مواصلة آلة الاغتيال نشاطها ضد القوى المعترضة على السياسة السورية في لبنان. وهذا يعني أن الدولة في وضع صعب لوجستيا فهي لا تستطيع تعريب الأزمة وإدخال الجامعة العربية قوة تفصل بين المتضاربين في وقت تبدو فيه مترددة في قبول خيار التدويل بصفته قوة فصل عسكرية بين لبنان وسورية كما هي حال الجنوب مع «إسرائيل».

هذا العامل الجغرافي - اللوجستي ستكون له تأثيراته السياسية/ الإقليمية على لبنان وسيؤدي إلى مزيد من التجاذبات الدولية على أرضه وبالتالي دفع أطيافه الأهلية إلى مزيد من الاستقطابات الطائفية والمذهبية والمناطقية في المرحلة المقبلة.

لبنان إذا في سباق مع الزمن كما صرح رئيس بعثة التقصي العربية عمرو موسى في بيروت. وهذا السباق يتمظهر سياسيا في مشهدين أحدهما عراقي (انفجارات، تفخيخات واغتيالات) والآخر فلسطيني (اختلافات تؤدي إلى تقسيم إداري). والاحتمال الأخير ليس مستبعدا أن يخرج إلى المسرح اللبناني (الساحة المفتوحة) في الأسابيع المقبلة في حال فشلت الأطراف المحلية في التوصل إلى صيغة تسوية بشأن الحكومة والانتخابات الفرعية.

مهمة الاستطلاع التي قام بها الوفد العربي برئاسة عمرو موسى يرجح أن تنتهي اليوم إلى نتيجة سلبية. والسلبية تعني في بلد مفتوح على احتمالات التدويل المزيد من التجاذبات الإقليمية المعطوفة على استقطابات أهلية تؤدي إلى تقسيم إداري للدولة.

الزيارة العربية إذا شكلية وهي أقرب ما تكون وداعية لبلد صغير وجميل كان قدره ولايزال خلال العقود الثلاثة الماضية أن يدفع ثمن الضعف العربي العام وهزال تركيبته الداخلية المنشطرة إلى مراكزَ قوى أهلية ومواقع يتحكم في إدارتها زعماء طوائف وقادة ميليشيات وأمراء حروب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً