العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ

فوضى استراتيجية لا تحقق بناء... وشرعيات طارئة لا تخدم استقرارا!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

تناول موضوع بعض أنظمة الغنيمة العربية وعروش البؤس الراهن في المنطقة، ومنها التي تعتمد بشكل أساسي على «شرعية الطوارئ» في تدعيم أركانها وتثبيت وجودها السياسي التشريعي والتنفيذي في المنطقة يعد بمثابة الشأن العبثي الذي تتناطح وتتناقض فيه الأقوال مع الأفعال مع لغة الواقع والحقائق، كما تتبرأ النتائج الكارثية والمأسوية من واقع الأسباب والمبررات المدبجة رسميا.

فمثل هذه الشرعية التي تمنحها الأنظمة لنفسها مستغلة ظروف وملابسات حساسة يمر بها المجتمع والدولة معا لطالما تم استخدامها وتوظيفها كمنشط ومقوٍ لهذه الأنظمة والعروش والسلطات حتى تبقى على قيد السلطة لأطول فترة ممكنة بداعي الحفاظ على الأمن والاستقرار العام، ولو كان ذلك في شكل اغتذاء طفيلي مزعج يؤذي جسد الدولة والمجتمع معا، ويليف خلاياه وأعضاءه التي لا يتسنى لها تأدية وظائفها الحيوية، وبالتالي يتخلص من صحته وعافيته واستقراره بفضل البقاء الطويل غير الصحي لتلك الأنظمة على قيد السلطة والتسلط والمصادرة لحريات وحقوق وموارد الأوطان والشعوب.

وحتى نكون أكثر تحديدا لابد من استعراض الاضطرابات الدموية الأخيرة في فلسطين المحتلة والاقتتال الأهلي الداخلي بين عناصر موالية لحركة «حماس» وعناصر تابعة لحركة «فتح» والتطورات السريعة الخطيرة التي تم بموجبها إصدار قرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) بإقالة رئيس الوزراء الفلسطيني «إسماعيل هنية»، وتشكيل حكومة طوارئ برئاسة سلام فياض، الأمر الذي أدى إلى المزيد من التأزيم للوضع، وهو ما أدى إلى انفلات الأمور من عقالها التنظيمي، إذ احتجت حركت «حماس» على الاستهداف المبيت لشرعيتها الديمقراطية المنتخبة، وقامت العناصر المسلحة الموالية لها بالسيطرة على قطاع غزة بالأكمل، وتعهدت بنقل المعركة إلى الضفة الغربية، وهو ما أفضى أخذا بمعطيات الخارطة الجغرافية - السياسية المستجدة إلى وجود كيانين فلسطينيين يتقاسمان جثة القضية الأم، أحدهما في غزة والآخر في الصفة الغربية وسط كانتونات مصادرة وشتات فلسطيني تائه فيما يحقق أجمل الأحلام الصهيونية!

وإن كان لا يختلف عاقل ومطلع بشأن الحق الشرعي الممنوح للرئيس الفلسطيني في إقالة رئيس وزرائه إلا أنه ليس صالحا أبدا في الحق المصيري للقضية الفلسطينية التي شقت الصف الفلسطيني إلى نصفين متناحرين بدلا من أن يكون الصراع فلسطينيا - صهيونيا كسابق عهده، والذي قد يصبح فيه وسيطا لحل أخوي، ولكن على رغم مما شهدنه حوادث غزة الدامية من تصرفات غير لائقة ومرفوضة فلسطينيا ووطنيا فإنه من المخزي أن تنصب جميع الاتهامات على «حماس» وحدها لكونها عجزت عن دفع ضريبة شرعيتها الديمقراطية المستحقة، وأن يعتبر تمسكها ببرنامجها القيمي والمبدئي الذي انتخبت لأجله هو رأس المشكلات والبلاءات والأزمات المتفاقمة التي يعيشها ويعايشها الشعب الفلسطيني بسبب الحصار المفروض عليه عقابا له على خياره الديمقراطي الحر، والسعي نحو تحميلها كامل المسئولية عن ما وقع، أو الاكتفاء بالحياد السلبي بين الطرفين اختلاقا لموضوعية مصطنعة عبر تجاهل بعض من «ختيارات» فتح وكبار مسئوليها المنخورين بالانتهازية والفساد وتجاهل مشاغبات وتلويثات عصابة لحدان المفضوح ولاؤها للاستخبارات الأميركية والصهيونية، وهي ذاتها التي جاهرت وأعلنت مسبقا ممثلة في رأس العصابة بأنها تقف ضد أية إمكانية للسلام ولوحدة وطنية تجمع قيادات «فتح» و»حماس»!

ومن المشين أن تتباهى بعدها صحيفة «جيرولايزم بوست» الإسرائيلية باستنجاد كبار المسئولين الفلسطينيين بالكيان الصهيوني لتقديم المساعدة في التخلص من «حماس» في الضفة الغربية، وهو ما سيدفع حتما ومنطقيا إلى اللجوء من قبل «حماس» إلى الخيار العسكري الصارم في وجه السلطة المتواطئة مع العدو الوجودي الصهيوني، وهي التي لم تصوب قط بندقيتها صوب استحلال وهدر الدم الفلسطيني البريء!

ومع امتداد خيط الفتنة الأسود في جسد العراق تكاد لا تختلف الصورة مع وجود عملية سياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي في ظل احتلال همجي يحكم قبضاته على جميع الثروات الوطنية للبلاد وعلى كل أشكال سيادة القرار، اذ زعم أن مثل هذه العملية السياسية هي ضرورة حاسمة لملء الفراغ السياسي التشريعي بعد سقوط نظام صدام حسين ومع وجود الاحتلال، فأتت أشبه ما تكون بحكومات طوارئ مطعمة برواسم وكليشيهات سياسية انتخابية لم يحقق وجودها إلا خداعا بصريا غير فني بالمرة، وساعد على تمكين الاحتلال من الظهور بمظهر شرعوي متأنق للتعمية بشأن واقعه المأسوي، وتدميره للاستقرار الوطني، وانتهاكه للسيادة عسى أن تتمنطق بعدها مزاعم ضرورة بقاء الاحتلال حتى لا تتقاتل الأجزاء والأطراف العراقية، ويصبح الدور العراقي مسئولا عن تنظيم الفعاليات البروتوكولية والسهرات والأمسيات التي تجمع الجار الإيراني بالاحتلال الأميركي للتسامر بشأن قمر العراق الجريح في حين تظل الدول العربية كـ «شهود على عقد الزواج»!

أما الآن وقد تم تكرار استهداف مراقد الأئمة والصحابة وانتهاك المقدسات الدينية من الأضرحة والمساجد وقبلها الحرمة البشرية، وفي ظل الظروف والملابسات المشبوهة ذاتها المتعلقة بخفارة المقدسات، مع استمرارية أجواء التسميم والاحتقان الطائفية غير المسبوقة، وهو ما يطرح المزيد من الأسئلة عن أبسط وأولى واجبات الحكم الطائفي في العراق المحتل بحفظ الأمن والاستقرار، وقبلها استرداد السيادة انتقاليا وتدريجيا من الاحتلال كما تقتضي الأعراف في بلد لم يبق فيه من مقدس غير النفط المحرم بخيراته وثرواته على العراقيين، والذين لم يحقق لهم هذا الحكم الطوارئي في شرعة وجوده سوى مزيد من الفرقة والشقاء، فلم يملأ الفراغ السياسي والتشريعي في عراق الاحتلال إلا بالدم!

وذات الخيط الأسود من الفتنة لا يسعه أن يترك الشطر اللبناني وحيدا دون أن يربطه ببقية الأجزاء في فوضاه الخلاقة، فتتواصل مسلسلات الاغتيالات بحق النخب والقيادات اللبنانية لتطال النائب اللبناني وليد عيدو، وتعيد تأزيم الوضع من جديد مع حكومة أنشئت طوارئيا بحسب الظرف المحلي والإقليمي والدولي أن كانت قد تأسست انتخابيا، وهي حكومة لا تتقن سوى صوغ بيانات المعاداة والهجوم وكيل الاتهامات بالكيلو والرطل لسورية ومواصلة الاستنجاد والاستنجاء بالقوة الدولية الأميركية، في حين تكتفي سورية بردود خشبية معتادة!

لذلك هي فوضى استراتيجية عارمة لا تحقق بناء غير الدمار، وشرعيات طارئة لا تخدم استقرارا سوى استقرار الطاولة لتوضع عليها أجندة التنفيذ والاغتنام الشيطانية لمن لا يريد للمنطقة وأهلها خيرا، وممن لا يتردد في تجميع شعوبها في محميات دموية إذا ما أصبحوا عبئا وثقلا على مسارات هذه الفوضى الاستراتيجية!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً