أعلن المخرج الفرنسي كريستيان بل إسلامه بعد رحلة شملت بعض البلدان العربية ليستقر في دمشق أخيرا. وللتو انتهى المخرج الفرنسي من إنتاج فيلم صور فيه العدوان الصهيوني على لبنان وافتتحه في دمشق.
«المجلة العربية» أجرت مع المخرج حوارا مطولا عقب المؤتمر الصحافي الذي عقده على هامش الفيلم. أكد عيسى في الحوار أنه يعيش حياة جديدة بعد اسلامه تلازمه فيها السعادة والغنى الروحي الذي كان يفتقده، بحسب تصريحه. ومما ورد في المقابلة:
بدأت العمل في السينما الفرنسية في سن مبكرة، وبشكل حقق طموحاتي وصلت معه إلى مستوى جيد من الشهرة داخل وفرنسا وخارجها مخرجا وكاتب سيناريو، وقد عملت مع كبار المخرجين الفرنسيين والأميركيين، ولا أريد الإطالة بالحديث عن هذه النقطة؛ لأني أتناساها بعد أن بدأت المرحلة الأهم في حياتي مع دخولي الإسلام الحنيف.
إني شخصيا لا أعرف... كل ما أستطيع قوله هو: إن دخولي الإسلام حصل بتوفيق إلهي لإنقاذي من الخواء الروحي الذي كنت أعيشه، فقد ولدت وعشت في مجتمع غربي مادي يسعى فيه كل إنسان إلى تحقيق طموحاته المتمثلة في جمع المال والحصول على التميز والشهرة، وقد حصلت على هذين الأمرين، ولكن السؤال الذي كان يؤرقني هو: ماذا بعد؟ وقليلا قليلا صرت أشعر بالملل من كل شيء... وصرت أهرب أكثر إلى أجواء السهر والتسلية والمجون، ولكن كان إحساسي بالضياع يزداد، وأحيانا كنت أسمع عن دخول بعض المشاهير أمثالي دينا اسمه الإسلام وأتساءل: ما الذي دفعهم إلى الإيمان بهذا الدين؟ وما الإسلام؟ ولكن ذلك بقي في حيز الأسئلة العابرة وشخصيا لم أسعَ إلى فهم الإسلام؛ لأني لم أكن قد اتخذت أي قرار بالاقتراب من الإسلام. ذات ليلة كنت في حفلة ليلية مع شلة من الأصدقاء والصديقات... كانت حفلة - على رغم البذخ الذي تقدمه - تزيد من إحساسي بالفراغ النفسي والملل والضياع؛ لذلك خرجت من الملهى بعد أن تذكرت أن سيارتي تحتاج إلى تصليح وأني يجب أن أتصل بالميكانيكي الذي يتولى إصلاح سيارتي.
كان ذلك الميكانيكي مسلما من أصل باكستاني، وكنت أعرف بحكم ترددي على محله أحيانا أنه يذهب إلى مكان عبادة اسمه المسجد، وأذكر أني أمسكت الهاتف النقال لأتصل به ليحضر ويأخذ سيارتي، وفي لحظة لا يمكن وصفها ومض في داخلي وأمام عيني ضوء للحظات، وبدلا من أن أطلب من الميكانيكي أن يأتي ليأخذ سيارتي للإصلاح وجدتني منساقا لأن أطلب منه أن يأتي ويأخذني إلى المسجد.
طبعا استغرب الميكانيكي طلبي في ذلك الوقت المتأخر ولكنه أمام إلحاحي حضر وأخذني إلى المسجد، وفي المسجد سألته: كيف ينتمي الإنسان إلى الإسلام؟ وكما أجابني وجدتني أنطق بالشهادتين وأصبحت مسلما.
أيضا لا يمكن أن أنسى تلك اللحظات التي أعقبت إسلامي... شعرت خلالها فجأة بإحساس كبير من الراحة النفسية، إحساس من كان يعيش في صحراء قاحلة ثم فجأة وجد نفسه يعيش في واحة غنّاء، ومازال هذا الإحساس مع كل السعادة التي يقدمها يلازمني إلى هذا اليوم.
حدث كل شيء بشكل مفاجئ... في لحظات قليلة شعرت برغبة عارمة في الذهاب إلى المسجد وإعلان إسلامي، وبعد إعلان إسلامي بدأت أدرس الإسلام، وقد اتخذت اسما جديدا لي هو عيسى.
سميت نفسي عيسى كبرهان لهم على أن الإسلام يعترف بالأديان السماوية وبالنبي عيسى - عليه السلام - فالفكرة السائدة عندهم أن الإسلام لا يعترف بالنصرانية وهو ضدها ويحرض على كراهية السيد المسيح - عليه السلام - ولكن ذلك لم ينقذني من الاضطهاد الذي تعرضت له، فقد هجرتني زوجتي وأصدقائي وألغت عدة شركات إنتاج عقودها معي، بل وصل الأمر إلى حد مهاجمة بيتي ومحاولة إحراقه بعد أن أحرقوا سياراتي؛ ما اضطرني إلى التنقل بين عدة أمكنة، وفي المقابل كانت هناك إغراءات كبيرة كي أتراجع عن قراري، واتصل بي مشاهير السينما الفرنسية ونجوم هوليوود عارضين تلك الإغراءات إذا تراجعت عن إسلامي، فكانت إجابة عروضهم بزيادة تعلم مبادئ الإسلام وتفهمها، وإزاء الاضطهاد الكبير اضطررت إلى مغادرة فرنسا والتنقل في عدة دول عربية، وأخيرا استقررت في دمشق التي تزوجت فيها فتاة مسلمة وقطنت في أحد أحيائها الشعبية.
في البداية، كان يجب أن أتفرغ لدراسة مبادئ الإسلام، وقد فتح الله عليّ فاستوعبت بسرعة لم أتوقعها تعاليم الإسلام وأحكامه بما يمثل دينا ومنهجا للدنيا، ومن خلال دراستي وجدت أن الإسلام لم يمنع الفن النظيف الهادف إلى تهذيب روح الإنسان، بل اكتشفت أن عمالقة الفن الذين أسسوا لعلوم الفنون والزخرفة والنفش انبثقوا من الحضارة الإسلامية، والإسلام هو دين عبادة وعمل وفي المحصلة هو دين سعادة وفرح، ولا أعرف من طرح فكرة مغالطة هي أن المسلم يجب أن يكون دائما حزينا متجهما؛ لذلك قررت أن أعود إلى الفن مخرجا وسيناريستا ولكن ضمن منهج أخدم به قضايا الإسلام والمسلمين تماما كما فعل قبلي مغني الجاز الشهير إسلام يوسف الذي كرس شهرته وفنه للإسلام بعد إسلامه وكما فعل محمد علي كلاي، وكنت أبحث عن الطريقة التي أمارس فيها الفن ضمن هذا النهج وقد جاءت اللحظة المناسبة عندما وقع الاعتداء الصهيوني على لبنان في شهر يوليو/ تموز 2006. وقتها حملت كاميراتي ومعداتي وذهبت إلى لبنان وبدأت أصوّر فيلما توثيقيا عن العدوان والفظائع التي ارتكبها الصهاينة ضد المدنيين، وصوّرت أكثر من مئة ساعة عرض تم اختزالها في فيلم مدته 55 دقيقة.
عندما شاهدت التغطيات الإعلامية للعدوان على شاشات التلفاز - وبصفتي مخرجا - أدركت مدى القصور في تلك التغطيات التي لا يمكن أن تصل إلا إلى المشاهد العربي فقط؛ لذلك قررت أن أصنع فيلما يصل إلى المشاهد الغربي ويخاطبه باللغة نفسها التي يخاطبه بها أعداء العرب والمسلمين؛ ولذلك ابتعدت عن تصوير المجازر وأشلاء الموتى؛ لأن العقلية الغربية لا تتقبل النظر إلى صورة المجازر والدماء الغزيرة التي سالت في لبنان، بل إن المشاهد الأميركي والغربي تؤثر فيه صورة قط ميت أكثر من رؤية مجزرة بشرية؛ لذلك اعتبر أن صورة العصفور الميت ودمى الأطفال المرمية وسط الركام، كما عرضها الفيلم، تحمل دلالة رمزية مهمة عن بشاعة الجريمة الإسرائلية.
الفيلم تدور حوادثه بين بيروت ودمشق فيتوالى عدة أشخاص في الأولى ومن شرائح اجتماعية مختلفة برواية خسارتهم لأحبة لهم وجيران ومنازل وممتلكات بنيران القذائف الإسرائيلية، وتنتقل الكاميرا من مكان إلى آخر، ولكن التشابه هو العنوان مع تحوّل الصروح والأبنية الضخمة إلى دمار مطلق تدل الصور على همجية الفاعل ودمويته التي أتت كما يبدو من حجم الكارثة على آلاف البشر بين قتلى وجرحى من دون أن يمر الفيلم على أي من هؤلاء باستثناء لقطات بسيطة لجريحين في أحد المشافي وأخرى لعملية موارة أحد الشهداء الثرى في الضاحية الجنوبية.
إنه في المحصلة فيلم واقعي جدا ينقل رسالة واضحة يتحدث عنها أشخاص كثر في العمل بأساليب مختلفة، وقد صنعته ليكون رسالة للمشاهد الغربي والأميركي عن حقيقة ما حصل في لبنان؛ لأني أعرف أن الأميركيين والغربيين لم تصل إليهم الحقيقة بل وصل إليهم فقط ما بثته لهم وسائل الإعلام الخاضعة إلى النفوذ الصهيوني، وعبر تلك الوسائل تم تشويه حقيقة ما حصل لصالح الصهاينة.
إن تسويق الفيلم عملية شاقة وضعتها نصب عيني منذ البداية، لهذا أنجزت الفيلم بثلاث لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية) ويُجرى العمل على ترجمته إلى العبرية والإسبانية. حتى الآن هناك محاولات لعرض الفيلم على محطات إسلامية تبث من داخل الولايات المتحدة الأميركية وبعض المحطات الفرنسية المحايدة وأيضا عبر بعض المحطات الفضائية العربية التي تحظى بمشاهدة من الغربيين والأميركيين. عموما سأتوقف عند مفردات النفوذ الصهيوني على السينما. صحيح أنه نفوذ قوي ويعمل على تشويه صورة العرب والمسلمين، ولكن هذا لا يعني أن نستسلم لهذا النفوذ، بل يجب أن نعمل على إيجاد مكان لنا في الإعلام والسينما بما يوضح حقيقة الإسلام والعرب، ولا يتحقق ذلك - في رأيي - إلا إذا أدرك المسلمون أهمية السينما في إيصال حقيقة الإسلام إلى العالم الغربي، وأعداء الإسلام لم يسيطروا على السينما إلا بأموالهم، مع ملاحظة أنهم يسخون بالمال بهدف الربح المادي أولا، ونحن بصفتنا عربا ومسلمين لسنا عاجزين عن بذل المال لهذه المسألة، سواء بهدف الربح المادي عبر صناعة السينما؛ أو بهدف إيصال رسالتنا إلى العالم.
العدد 1749 - الأربعاء 20 يونيو 2007م الموافق 04 جمادى الآخرة 1428هـ