لا تعطيك مساحات «الثقافي» فينا ذلك التنوع الذي يجعلك قادرا على تخريب ذوقك وإعادة برمجته/ تكوينه/ تشكيله/ فبركته عما كان عليه بالأمس. تحتاج أحيانا إلى كسر ثنائية العرض «شاي أم قهوة» حتى تستطيع فعلا أن تنتج تلقيا مغايرا/ فهما جديدا/ معنى حديثا لما تراه/ تسمعه حتى ما تحس به.

أعتقد أن ضرورات التموقع في موضع الدفاع عن «الثقافي» و «الثقافة» و «المثقف» قد استنزفتنا جميعا خلال الأشهر الثلاثة الماضية. وهو ما أحالنا إلى حال من الإجبار على التصفيق للضعيف حتى إذا كان لا يستحق الوقوف أصلا.

في الأشهر الماضية ارتقى سلم «الإبداع» من ارتقى. ومر من دون محاسبة أو تدقيق من مر سريعا وسط الزحام إذ كان «الفضاء الثقافي» مشغولا بالدفاع عن قاسم ومارسيل، ذلك الدفاع الذي جعلنا نغمض الأعين نسبيا، عن فضيحة مسرح «كركلا» وعن موسيقى مارسيل خليفة نفسه، إذ قدم إلينا موسيقاه القديمة بطريقة «محدثة» لم تكن لترقى إلى فحوى «العقد» الذي وقع معه.

وما بين الانشغال بمعركة «النواب» التي استزفتنا والتي انتهت بتراجع من تراجع منهم - رياء - بعد تصريحات سمو ولي العهد من جهة، وبين الدخول في فضاء «التحدي» من جهة أخرى مر «أركون» أيضا من دون أن يقدم شيئا ما خلا ورقة قرأناها من قبل، ودعاية مقتضبة لكتابه الجديد. وكان لـ «انتفاضة كهنة الجامعة» قبالة أركون أن تلعب الدور ذاته الذي لعبه «النواب» فكان لنا أن نبقى في موقف الدفاع مرغمين.

الذي أخاف أن أكون قد أهملته في هذا التسارع قبل نهاية العمود هو أن أقول: إن الكثير من الفعاليات الثقافية التي شهدتها البحرين - ولاسيما المعارِض الفنية - كانت في الحقيقة مدعاة للسؤال، عن إذا ما كان المشهد الثقافي للبحرين يسير للأمام أم الخلف، يمتلك تنوعا مقنعا أم أنه مجرد مشهد لا يزيد على عرض الشاي أو القهوة؟