العدد 1748 - الثلثاء 19 يونيو 2007م الموافق 03 جمادى الآخرة 1428هـ

قضية المعلمين... وعقدة«التطييف»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«التطييف» هو الوجه الآخر لعقدة «التسييس». في التسييس، تستخدم هذه الكلمة المطاطة لمصادرة حقّ الآخر في التعبير عن رأيه، أو الدفاع السلمي عن مصالحه أو مناقشة شئون معاشه. والتهمة هنا جاهزة: «التسييس»، والمطلوب أن تمدح أو تروّج أو على الأقل أن تسكت... وإلاّ فأنت «تسيّس» الأمور!

وكما في «التسييس»، هناك متخصّصون في «التطييف»، فهم لا ينظرون إلاّ من خلال منظار «الطائفة» و«الفئة» و«الزرنوق»، من فقر وتعليم وصحة وإسكان... مع أنها قضايا وطنية يعاني منها الجميع، بهذه الدرجة من الحدّة أو تلك.

الأسوأ من ذلك حين يتم تفسير ما يجري من أمور طبيعية بتفسيرات طائفية، تنم عن مرض يؤصل للاستئثار ويحرّض على تمكين هذه الفئة ضد تلك، وكأننا من قبائل «الهوتو» و«التوتسي» ولسنا إخوانا في هذا البلد الصغير. وآخر نماذج هذا التحريض ما جرى لقضية المعلمين من تحريف وتشويه. ففي تاريخ 6 الجاري، نظّم أكثر من ألف وخمسمئة من المعلمين والمعلمات اعتصاما أمام وزارة التربية والتعليم للمطالبة برفع الأجور. وجاء ذلك في أعقاب رفع عريضة وقع عليها 4500 معلم ومعلمة، لم تستلمها الوزارة، ورفعت أيضا إلى مجلس الوزارء والمجلس النيابي. وبادر عددٌ من نواب الوفاق من بين بقية الكتل بالمشاركة لدعم هذا المطلب المعيشي لدى فئة كبيرة ومؤثرة من المواطنين.

إلى هنا والوضع طبيعي، ولكنك تفاجأ بتطييف الموضوع حين يخرج البعض؛ ليحرّض على المعلّمين، ويشوّه حركتهم، ويصوّر الأمر على أنه مؤامرةٌ خبيثةٌ تستهدف الاستيلاء على الوزارة، وأن هناك من يطمحون في التحكّم في مستقبل البلد من خلال فرض أجندتهم على أهم وزارة... فـ «انتبهوا يا جماعة... لا يكون ينجح الانقلاب»!

طبعا إذا غاب التحليل الموضوعي للأمور برزت مثل هذه التحليلات الطائفية المريضة على السطح، ومن يقرأها من إخواننا العرب أو الخليجيين سيتصوّر إننا مقبلون على حرب أهلية طاحنة، وليست تعبيرا عن حراك سياسي ومطالبات معيشية في حياةٍ تزداد صعوبة حتى تلقي بظلالها الثقيلة على الطبقة الوسطى.

الاقتصاديون والاجتماعيون اليوم في تشخيصهم للوضع البحريني، يقولون: إن الطبقة الوسطى تتعرّض للتآكل في العقد الأخير، وتتساقط أعدادٌ منها إلى الطبقة الدنيا. الطبقة الوسطى النشطة اقتصاديا وسياسيا، تضم شرائح عدة (مهندسون، أطباء، أكاديميون، معلمون، صحافيون، مديرون متوسطون...). وحتى قبل بضع سنوات، كان بإمكان الزوجين شراء أرض وتسديد أقساطها خلال عامين، ثم بناؤها خلال أربعة أو خمسة أعوام. أما اليوم، فقد ضعفت القوة الشرائية لدى هذه الفئات، ومستواها المعيشي تراجع، وقدرتها الشرائية تدهورت، ففي السنوات الأخيرة يعجز أغلب أفرادها عن امتلاك أرض إلاّ باعتماد برامج توفير وقروض لمدة سبع سنوات، أما مشروع «بيت الأحلام» فيحتاج إلى عشر سنوات أخرى.

هذه الطبقة ضُربت في الصميم، وهي فئةٌ جادةٌ تحصد نتاج مثابرتها وكفاحها ودراستها الجامعية، وليس عن طريق التزلّف أو تدبيج المقالات المنافقة أو قصائد المديح الكاذب. وإذا سعت للدفاع عن مصالحها وتحسين مستوى معيشتها بطريقةٍ سلميةٍ حضاريةٍ، فلا ينبغي التشكيك في أهدافها ودوافعها، أو تصوير الاعتصام على أنه «مؤامرة»ٌ للاستيلاء على وزارة التربية والتعليم كما فعل بعض الكتّاب السطحيين.

المعلمون في حركتهم الراقية اعتصموا أمام الوزارة وقت الظهيرة تحت أشعة الشمس، بعد انتهائهم من الدوام الرسمي، ورفعوا شعارات مؤدبة ومحصورة في مطالب معيشية واضحة، وسبق أن خاطبوا كل نواب الشعب، واجتمعوا برئيس المجلس، كما خاطبوا مجلس الوزارء الذي أبدى اهتمامه بالموضوع، وخاطبوا وزير التربية الذي لم يكترث باللقاء بممثلي جمعية رسمية ينتظم فيها منتسبو وزارته، ولم يسأل عن عريضةٍ وقّع عليها 4500 مواطن... ثم يخرج بعض المرضى الطائفيين ليمارسوا «عقدة التطييف».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1748 - الثلثاء 19 يونيو 2007م الموافق 03 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً