لست أدري كيف يمكن لأحد - مهما كانت قدرته - أن يكتب عن الوضع العربي المخزي، كيف يمكن أن نتصور فداحة ما يحصل؟ كيف يمكن تفسيره أو تبريره؟...
في العراق يموت المئات يوميا ومثلهم يتم تهجيرهم بالقوة، وكأن هؤلاء القتلة لم تكفهم جرائم قتل الأحياء فاتجهوا إلى الأموات ينبشون قبورهم ويسيئون إليهم... مراقد الأئمة تنسف ومثلها قبور الصحابة، حتى دور العبادة لم تسلم من أيدي العابثين، فكل يوم نسمع عن هدم مسجد لهذه الفئة أو تلك... عقول فقدت هدايتها...
وفي لبنان أحزاب لا أول لها ولا آخر، وكل يغني على ليلاه، معارضة من هنا وهناك، وكأن البلاد تحتمل كل هذه الاختلافات التي أقضت مضاجع أهلها وأضعفتهم...
وجاءت حوادث «النهر البارد» الذي لم يعد باردا فاختلطت الأوراق وأضحت الأمور أكثر سوءا؟ بدأنا نسمع عن «فتح الإسلام» و»القاعدة» وأنصار لهذا التيار أو ذاك، وهدم لمساكن اللاجئين الفلسطينين وقتل في أوساط الجيش اللبناني، ومازالت الحواث تزداد سوءا، والنهاية لا تزال غامضة... وفي الصومال - وهي دولة عربية - احتلال لم يعره العرب أهتماما، وفيه قتل وتشريد وهدم للمساجد وإغلاق لمدارس القرآن، وكأن هذه الدولة «العربية» التي نسيها العرب فنستهم واتجهت إلى سواهم...
وكانت الطامة العظمى في فلسطين، العشرات يموتون برصاص اخوانهم «المجاهدين» وكأن ماتفعله «إسرائيل» فيهم لم يعد كافيا فأرادوا أن يكملوا المسيرة المشئومة... يحتفل كل فريق بقتل من ينتمي للفريق الآخر واحتفالات باحتلال مركز لهذا التيار أو ذاك، ولا أستبعد في ظل الظروف السيئة أن تعلن حماس دولة منفصلة في غزة وقتها تفعل فتح في رام الله...
مآس يصعب وصفها، بل يصعب الحديث عنها... هل وصلنا إلى هذه المرحلة المؤسفة التي نقتل فيها بعضنا بعضا ونضع أيدينا في أيدي قاتلينا محتفلين بموتنا بتلك الطريقة؟
من يستفيد من كل مايحدث في بلادنا؟ الأميركان هم الذين احتلوا العراق وهم فيما أعرف يعيثون فيها فسادا وبكل أنواع الفساد... مراقد الإمامين سبق أن فجرا فأين التحقيق الذي قامت به الدولة؟ هذان المرقدان كما تقول الحكومة العراقية يحرسهما مئات الجنود فأين هؤلاء عن التفجير الثاني؟ هل يمكن أن نصدق أن من قام بتفجيرهما الصداميون والتكفيريون؟ وماذا نقول عن التفجير الذي حدث في مبنى البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء؟ ألا يحرس الأميركان بكل إمكاناتهم هذه المنطقة؟ هل عميت عيونهم وصمتت أجهزتهم عن المراقبة؟ أين نتيجة التحقيق؟ أعرف أنه ليس هناك تحقيق وإلا لظهرت آثاره...
الأميركان والصهاينة هم وراء كل تلك الجرائم وسواها، وعملاؤهم في العراق يمدون لهم يد المساعدة حرصا على مكانة «تافهة» في ظل الاحتلال البغيض...
التقيت بمجموعة من الأخوة العراقيين من مختلف التيارات وكانوا جميعا متفقين على أن الاحتلال وراء كل الجرائم في العراق...
لا أعتب على المحتل ولكني أخجل من أولئك العراقيين الذين يقفون معهم ويدافعون عنهم...
وانظروا إلى لبنان وكيف يتحرك الصهاينة والأميركان داخل هذا البلد وبكل وقاحة، ولعلنا لم ننس أن الأميركان وقفوا ضد وقف الحرب التي كانت دائرة بين حزب الله والصهاينة، وأنهم كانوا يرون كيف يقتل الصهاينة أفرادا من الجيش اللبناني ولا يحركون ساكنا ولا ينطقون بكلمة، أما الآن فهم يرسلون السلاح بالطائرات وبأقصى سرعة للجيش اللبناني «المسكين» ليقاتل فتح الإسلام والقاعدة! أين كان هذا العطف «المفاجئ» ولماذا لم نره إلا الآن؟! أما الصهاينة فهم أيضا مع الشرعية اللبنانية وحريصون جدا على هذه الشرعية ومستعدون - لا وفقهم الله - لفعل كل شيء من أجلها، مرة ثانية لعل هؤلاء لم يكونوا يعرفون أن هناك حكومة شرعية في لبنان عندما كانوا يقصفون كل شيء ويقتلون الأبرياء في كل مكان ولم يكتشفوا هذه الشرعية إلا في هذه الأيام...
المآساة ليست في الصهاينة ومعهم الأميركان فهؤلاء أعداء نعرفهم ولكن المآساة في أولئك الذين يقفون معهم ويتناسون مصالح أمتهم...
أما الطائرات الأميركية «المباركة» فهي تقصف الصوماليين متى شاءت وفي أي مكان وزمان شاءت، والقتلى - دائما - هم من القاعدة أعداء السلام وهم يستحقون القتل في العرف والعدل الأميركي!.
المحاكم الإسلامية يجب محاربتها لأن الأميركان لا يريدونها، والمحتلون الإثيوبيون معهم كل الحق في احتلال الصومال وقتل أهلها... وما دامت أميركا تحب هذا الاحتلال فليحبه العرب أيضا، إن شاءوا برضاهم أو رغم أنوفهم... وهكذا كان...
صمت العرب عما يجري في الدول العربية وفي الصومال واكتفوا بما فعله الإثيوبيون والأميركان وعملاؤهم وضاعت الصومال أو كادت... والعجب كله ما رأيناه في فلسطين ففي أول يوم أعلن فيه محمود عباس حل الحكومة بادر بوش بالاتصال به ليخبره أن أميركا ستعيد علاقاتها مع حكومته وستسمح لها بكل ماكان موقوفا قبل ذلك... المهم أن لايبقى أحد من حماس في الحكومة - هذا ظاهرا - أما الأكثر أهمية فهو الاستجابة لكل المطالب الصهيونية...
بيريز هو الآخر لم يفوت هذه الفرصة فأعلن - غير مشكور - أنه سيقف مع المطالبين بالسلام... ولكن ما هو السلام الذي يعنيه؟!، كلنا - للأسف - نعرفه!.
لماذا تستمر هذه المآساة ولماذا يقبل البعض أن يكون أداة رخيصة لأعداء بلاده؟ أين دور الشعوب وأين دور مؤسساته المدنية؟ هذا المسلسل الدامي قد لايقف عند تلك الدول فأعداؤنا لا تزال شهيتهم مفتوحة لابتلاع المزيد فهل يدرك العقلاء حجم الخطر؟ وهل يعملون شيئا لإيقافه؟ أتمنى...
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1747 - الإثنين 18 يونيو 2007م الموافق 02 جمادى الآخرة 1428هـ