العدد 1747 - الإثنين 18 يونيو 2007م الموافق 02 جمادى الآخرة 1428هـ

حوار القيم الديمقراطية في العالم العربي

أيام في قرطبة (1)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

شاءت الصدف أن يختار نادي مدريد قرطبة، عاصمة الأندلس مكانا لعقد الجولة الأولى من حوار القيم الديمقراطية في العالم العربي، إذ تجسد قرطبة ماضي العرب المجيد، وحاليا مدينة متعددة الثقافات مزدهرة في ظل نظام ديمقراطي.

نادي مدريد استضاف وفود ثلاثة بلدان عربية هي المغرب والأردن والبحرين، باعتبار هذه البلدان ملكيات تمر بمرحلة إصلاحات وتحول ديمقراطي، ونادي مدريد هذا شعاره دعم ديمقراطي لتحقيق الوعود، فهو منظمة دولية تأسست في أكتوبر/ تشرين الأول2001 من خلال مؤتمر التحول الديمقراطي وتعزيزه، وحضره 35 من الرؤساء ورؤساء وزراء سابقين من القارات الخمس أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، وقد توسع العدد ليضم حاليا66 من الرؤساء ورؤساء وزراء سابقين منتخبين ديمقراطيا، ويؤمنون بأهداف المؤتمر في تعزيز عملية التحول الديمقراطي والإصلاح في عدد من دول العالم. وإلى جانب هؤلاء فإن النادي يضم أكثر من 100 من الديمقراطيين والأكاديميين والخبراء والممارسين.

أما «الدينامو» او محرك النادي فهي سكرتارية مقر النادي بمدريد وهم ينتمون إلى جنسيات مختلفة. ويجرى تمويل النادي من قبل مؤسسات أهلية وحكومية إسبانية ودولية، إضافة إلى صندوق الديمقراطية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

خلال القمة التي عقدها النادي في مدريد في مارس/ آذار 2005 ردا على العمليات الإرهابية التي تعرضت لها مدريد، جرى إقرار أجندة مدريد من أجل مكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية. وينفذ نادي مدريد برامج لتعزيز الديمقراطية في أكثر من بلد من بلدان العالم ومنها برنامج حوار القيم الديمقراطية في العالم العربي.

وقد اختار نادي مدريد البلدان العربية الثلاثة المغرب والأردن والبحرين للعام 2007، وسيختار ثلاثة بلدان عربية أخرى لعام 2008 وهكذا. وإختيار النادي الحوار عن القيم الديمقراطية كموضوع خاص للبلدان العربية له مغزاه، إذ للقيم وخصوصا القيم الموروثة دور حاسم في تشكيل تفكير عقيدة وسلوك العرب بما في ذلك سلوكهم السياسي، وتعتبر القيم الموروثة عائقا مهما في طريق الانتقال إلى الديمقراطية والانتقال من التقليدية إلى الحداثة.

حوار قرطبة

سبق لنادي مدريد أن أرسل وفودا زارت البلدان العربية الثلاثة وهي المغرب والاردن والبحرين لتقصي الحقائق بشأن الاوضاع في هذه البلدان ولتقييم عملية الاصلاح والتحول الديمقراطي.

وقد ترأس رئيس وزراء السودان الاسبق وزعيم حزب الأمة الصادق المهدي، وفد النادي إلى البحرين حيث التقى ممثلي المجتمع المدني من جمعيات سياسية وأهلية، كما التقى رئاستي مجلس النواب والشورى ورؤساء الكتل النيابية، واجتمع بوزير الخارجية، وقد نشرت مجريات الزيارة في الصحافة والتلفزيون من خلال المؤتمر الصحافي للوفد.

جاء اجتماع قرطبة ليضم ممثلي المجتمع المدني ونواب ومسئولين في البلدان الثلاث بحضور وفد نادي مدريد والذي ضم صادق المهدي ورئيس وزراء اليمن السابق عبدالكريم الارياني والأمين العام لنادي مدريد والسكرتاريا السفير فيرناندو بيربينا روبرت، إلى جانب المدعوين الإسبان الذين قدموا خبرات بلدهم في الانتقال من حكم الدكتاتور فرانكو إلى الحكم الملكي الدستوري الديمقراطي في ظل الملك خوان كارلوس، عقدت الاجتماعات في القصر وهو الوحيد المتبقي من قصور الحكم العربي الإسلامي في قرطبة التي كانت عاصمة الدولة الاموية في الأندلس، ما أضفى جوا مريحا به عبق التاريخ المجيد، ما استثار في نفوس المشاركين في الملتقى حافز شحذ الهمم العربية للاستفادة من ذلك المجد التليد.

أما الملاحظة الثانية فهي أنه على رغم محدودية عدد المشاركين من العرب (ستة من المغرب وسبعة من الأردن وثلاثة من البحرين) إلى جانب ثلاثة قياديين وأربعة إداريين وباحثتين من النادي، فقد كان الحوار ثريا والمناقشات حيوية. لقد تسببت الأزمة التي عصفت بمجلس النواب وعوامل أخرى في تخلف عدد من القيادات السياسية البحرينية وأقتصر الوفد على منيرة فخرو وجمال فخرو وعبدالنبي العكري. وقد جرى الترتيب بحيث يبدأ حوار لكل وفد على حدة بحضور ممثلين عن النادي ثم يجرى عقد اجتماع للوفود مجتمعة لمناقشة ما توصلت إليه، وتشخيص المشترك في تجارب البلدان الثلاثة.

وقد خصص اليوم الأول لتشخيص الواقع من مختلف جوانبه، فيما خصص اليوم الثاني لتقديم مقترحات وتوصيات لمعالجة هذا الوضع.

اليوم الأول: الإصلاح المتعثر

جرى في صباح اليوم الأول حوار طاولة مستديرة لكل بلد على حدة إذ انضم ممثلو النادي إلى وفود البلدان الثلاثة كميسرين للحوار وبالنسبة إلى وفد البحرين فقد انضم إلى الحوار عبدالكريم الارياني، والسفير فيرناندو ميرينا روبرت ومسئول البرنامج روبرت لاين ومساعد مسئول البرنامج أروى الشوبكي والباحثة بمعهد العلاقات الدولية الخارجية بمدريد أنا الشايخ.

طرحت على المشاركين في الحوار ستة أسئلة تقتضي مناقشتها والإجابة عليها وتتمحور حول مدى حرية تكوين الجمعيات والمنظمات، ومدى حرية عملها ودورها في الحياة السياسية، وهي:

1- ماهي الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال حرية تكوين الجمعيات؟

2- ماهي أهم الخطوات، ومن هم الذين حققوا هذه الإنجازات؟

3- ماهو شكل الحوار بين الحكومة والمجتمع المدني إن وجدوا اسهم في تعزيز حرية تشكيل الجمعيات وإن لم يكن هناك حوار فكيف تعززت حرية تكوين الجمعيات؟

4- ماهي التحديات التي تواجه حرية تشكيل الجمعيات؟

5- هل لا تزال هناك فئات اجتماعية تواجه عقبات تحول دون حرية تشكيل الجمعيات؟

6- هل يتم إستشارة المجتمع المدني فيما يتعلق بقضايا السياسة العامة؟ وكيف يتم تنظيم الحوار لمثل هذه الاسشارة؟

لاشك أن هناك تفاوتا في التقدم الذي أحرزته البلدان الثلاثة في مجال الإصلاحات السياسية، ومن ضمنها حرية تشكيل وعمل الجمعيات الأهلية، ونقصد هنا المنظمات والتنظيمات والاتحادات والجمعيات بأشكالها السياسية والمهنية والتخصصية والأهلية كافة.

تعتبر تجربة المغرب هي الأرقى بين البلدان الثلاثة. إن أول دستور للمغرب بعد الاستقلال مباشره في 1955 نص على حرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات وحرم حكم الحزب الواحد. ولقد خطى الملك السابق الحسن الثاني في أواخر عهده خطوة مهمة بتكليف حزب الغالبية البرلمانية، الاتحاد الاشتراكي بزعامة عبد الرحمن اليوسفي، وهو حزب المعارضة الرئيسي بتشكيل الحكومة. وثبت هذا النهج خلفه الملك محمد السادس، وهو الذي دشن مشروعه الإصلاحي بعنوان الإنصاف والمصالحة فالانطلاق للمستقبل.

وتتشكل الحكومة من إئتلاف لأحزاب تشكل غالبية برلمانية.

أما في الأردن فقد كانت الأحزاب السياسية قائمة لكنها محرمة، ولم يتم إشهار الأحزاب إلا بعد الاضطرابات الواسعة التي شهدتها البلاد العام 1989، وما تبعها من مصالحة بين النظام والمعارضة وإدخال إصلاحات سياسية بموجب الميثاق الوطني بما في ذلك إشهار الأحزاب وإعطاء هامش اوسع لتشكيل ولتنظيم عمل النقابات والجمعيات الأهلية.

بالنسبة إلى مملكة البحرين فكلنا يعرف الأوضاع السابقة في ظل قانون أمن الدولة والحقيقة أنه في حين تمثل المغرب حالة متقدمة بالنسبة لحرية تشكيل وعمل المنظمات والتنظيمات والجمعيات الأهلية، فإنه يمكن مقارنة البحرين بالأردن. لقد تبعت البحرين خطى الأردن بل واستعانت بخبرات أردنية رسمية وليست أهلية في السيطرة والتحكم.

من هنا فإن البحرين متخلفة عن الأردن، فيما يتعلق بمختلف المعايير التي تحكم تشكيل وعمل منظمات المجتمع المدني، خصوصا في ضوء تبني الأنظمة الحاكمة في البلدان الثلاثة لبرامج إصلاحية.

قدمت الوفود الثلاثة صورة واقعية عما تم تحقيقه في مجال حرية تكوين الجمعيات وهو إيجابي قياسا للمرحلة السابقة.

ويمكن القول إن إشهار الأحزاب والنقابات والجمعيات وشرعيتها هو أهم إنجاز. أما المحاورون الرئيسيون الذين حققوا ذلك، فمنهم بالطبع السلطة وقوى المعارضة. ففي حالة المغرب، فإن الملك السابق واللاحق يلتقيان بالقوى السياسية في أوقات الأزمات وقبيل الإقدام على قرارات حاسمة، كما حدث في أزمة الصحراء، وقرار الإنصاف والمصالحة أما بالنسبة لكل من الأردن والبحرين، فقد كانت الاستشارة من خلال لجنة الميثاق الوطني التي رأسها أحمد عبيدات في حالة الأردن ولجنة ميثاق العمل الوطني التي رأسها الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة في حالة البحرين. وإذا كان الحوار مستمرا في المغرب من خلال لقاءات الملك مع القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أشكال مختلفة وحسب القضية المطروحة، فإنه في حالتي الأردن والبحرين فالحوار مقطوع. ولذلك أوصى الاجتماع بضرورة استئناف الحوار بين الحكم والقوى السياسية والاقتصادية في كلا البلدين.

هناك بالطبع تحديات كبيرة أمام حرية وتكوين الجمعيات وأهمها هو وضع حد للسلطة التنفيذية في الترخيص والإشراف والوصاية ومراقبة منظمات المجتمع المدني، وتخويل القضاء مرجعية لذلك.

والتحدي الثاني هو الاعتراف باستقلالية الأحزاب والمنظمات الأهلية وحياد الدولة تجاه التنافس بين الأحزاب، بحيث تكون فرص الغالبية المنافسة متكافئة وعادلة سواء في الانتخابات أوغيرها، بحيث يتمكن حزب أو تحالف الغالبية من تشكيل الحكومة والحكم ضمن التفويض البرلماني.

وإذا كان ذلك متحقق جزئيا في المغرب، حيث يختار الملك رئيس الوزراء ويعين بعض وزراء الحقائب السيادية فإنه غائب تماما في الأردن إذ يعين الملك الوزارات من خارج الأحزاب مع ضرورة نيلها الثقة، أما في البحرين فالوزارة شبه مخلدة وليست بحاجة لثقة البرلمان.

إن استشارة منظمات المجتمع المدني قائمة إلى حد ما في المغرب، وإن كانت غير ملزمة للحكم الذي ينتقي ما يريده من حيث أنها غائبة تماما في كل من الأردن والبحرين، على رغم شكلانية عقد ندوات حوارية بين الوزارات الخدمية فقط والمنظمات الأهلية وغالبا ما تغرق هذه الندوات بمن لا يمثل المجتمع ورصيده الموالاة فقط.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1747 - الإثنين 18 يونيو 2007م الموافق 02 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً