بدأ رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت زيارته الولايات المتحدة وسيلتقي اليوم الرئيس الأميركي جورج بوش ليبحث معه جدول الأولويات والمهمات الأميركية - الإسرائيلية. والجدول يتضمن مجموعة ملفات تبدأ بإيران ومشروعها النووي، والعراق والخطة الأمنية الجديدة ومستقبل الاحتلال، وسورية وما يقال عن استعدادات للتفاوض بشأن الجولان، ولبنان وما أفرزه العدوان في الصيف الماضي من تداعيات، وأخيرا فلسطين وتكتيكات التعامل مع حكومتين في غزة والضفة.
هذه الملفات هي عربية/ إسلامية أساسا، ولكنها في الآن باتت تعد ملفاتٍ «إسرائيلية» مرتبطة بالاستراتيجية الأميركية العامة. وبسبب هذا الارتباط العضوي/ الجغرافي بين الملفات يرجح أن يتم البحث في أولويات النقاط. والأولويات الإسرائيلية ربما تختلف عن الأولويات الأميركية لاعتبارات أمنية وسياسية ولوجستية، ولكنها في النهاية تندرج تحت خط عريض مشترك يجمع الاهتمامات الأميركية بالإسرائيلية ويضعها في سياق واحد.
الأولويات الإسرائيلية لم تتغير على رغم الإخفاقات التي ارتكبتها حكومة أولمرت في عدوان الصيف الماضي على لبنان. ولأن الأولويات لم تختلف عن ذاك الصيف فقد حاولت تل أبيب الاستفادة من ثغرات تلك التجربة فلجأت إلى إعادة هيكلة قطاعات الجيش وحاكمت المسئولين عن التقصير واستبدلت قيادات الميدان وأزاحت رئيس الأركان وتغير وزير الدفاع الذي لا يملك خبرة عسكرية وجاء مكانه من يملك خبرة ميدانية ومخابرتية. كذلك أقامت الحكومة الإسرائيلية سلسلة تدريبات ميدانية وأجرت مناوراتٍ عسكرية في الجولان وشمال فلسطين والنقب وطورت أجهزة مخابراتها وأطلقت قمرا اصطناعيا جديدا وتسلمت طائراتٍ متطورة جدا وكدّست الذخائر والقنابل والصواريخ النوعية في مستودعاتها.
الأولويات الإسرائيلية إذا لم تتغير وإن اختلف ترتيبها مع جدول الملفات الأميركية. فالهواجس الإسرائيلية مشتركة مع اهتمامات واشنطن، ولكن ترتيب جدول الملفات يختلف في درجات برودته وسخونته. ولكن النتيجة العامة لاتزال في مجموعها النهائي تقف عند الخط الفاصل بين الحرص على السيادة وضمان الأمن القومي وبين محاولة الاستفادة من الأخطاء واكتساب معرفة نظرية من خلال التجارب الميدانية.
في هذا المعنى لم تتغير الأولويات الإسرائيلية وإن اختلفت درجات التعامل معها قياسا على الاهتمامات الأميركية. وهذا الثبات في الأولويات يعطي فكرة عن نموذج مضاد ومختلف عن زمن الاضطراب العربي وتذبذب الوعي السياسي في المنطقة وصولا إلى الانقلاب على الأولويات.
«إسرائيل» لم تنقلب على أولوياتها بينما المنطقة العربية دخلت طور الانحطاط السياسي والتدهور في العلاقات الأهلية وتبديل الملفات وترتيبها في درجات مغايرة للمصالح العربية وأمنها القومي. في العراق مثلا أصبحت الأولوية لنسف المساجد والمراقد والحسينيات وقتل الأبرياء والآمنين والمدنيين وطرد الناس من منازلهم ومناطقهم ودفعهم بالقوة إلى الانزواء في دوائر متجانسة مذهبيا وطائفيا.
في لبنان أيضا أصبحت الأولوية ملاحقة شبكات الاغتيال والتخريب والنسف والقتل العشوائي في وقت يشتعل البلد الصغير في تراشقات إعلامية/ سياسية بين «8 و14 آذار» بسبب عدم الاتفاق على تركيبة حكومة جديدة أو إجراء انتخابات فرعية وغيرها من مهمات لا وظيفة لها سوى الشحن الطائفي والاستقطاب المذهبي.
وفي فلسطين أخذت ترتسم ميدانيا أولويات جديدة تعيد ترتيب المهمات وفق تصور سياسي مقلوب في وعيه وفي رؤيته. «حماس» مثلا بعد أن حققت إنجازها السياسي بنهب منزل ياسر عرفات (أبوعمار) وسلب منزل خليل الوزير (أبوجهاد) انتقلت الآن إلى مهمة أرقى وهي مقاطعة حكومة الطوارئ التي تشكلت في الضفة الغربية وعدم الاعتراف بها. فالمهمة الأولى لم تعد عدم الاعتراف بـ «إسرائيل» وإنما عدم الاعتراف بحكومة الطوارئ. وبين عدم الاعتراف الأول وعدم الاعتراف الثاني يُرجح أن تكون الأراضي الفلسطينية المحتلة مقبلة على المزيد من العزل والقلق والتوتر.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 1747 - الإثنين 18 يونيو 2007م الموافق 02 جمادى الآخرة 1428هـ