قبل عام تقريبا، تنبأ أحد الحكّام العرب بحدوث حروب أهلية عربية، وحدّدها على الخريطة بالأسماء: العراق وفلسطين ولبنان. وأثبتت الوقائع أنها لم تكن مجرد تكهنات وقراءة كف، بل هي من صميم المخطط الأميركي لتفتيت المنطقة وإغراقها في الدماء، حين يخوض أبناؤها في دماء بعضهم بعضا.
ولأن أبناء المنطقة غابت عنهم الهموم المشتركة الكبرى، وأصبحوا يفكّرون بمنطق الأقطار الصغيرة والقبائل المتناحرة، فضلا عن الطوائف والأعراق والأفخاذ والسيقان، فمن الطبيعي أن يسقط الجميع في فخ الاستحمار الأميركي، فهناك لاعبون عرب يعملون على المكشوف لحساب الخطة الأميركية، فالساحة لم تعد تحتمل الوقوف في المنطقة الرمادية، فـ «إما معي أو ضدي». وهكذا ينقسم العرب إلى فسطاطين: عرب الاعتدال وعرب الممانعة، وهؤلاء تنتظرهم استحقاقات الحرب على الإرهاب، والتجويع وقطع إمدادات الماء والكهرباء. فيما يمثل الطرف الآخر الشرعية والاعتدال، فيهب المجتمع الدولي والأسرة الدولية؛ لنجدته في وجه الإنقلابيين والإرهابيين.
وبينما كان المجتمع الدولي يتابع مدهوشا ما يجري من وقائع مأسوية متسارعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، قدّم اثنان من أجهزة المخابرات العربية قراءة تحريضية مشتركة للوضع: القاعدة هي وراء حوادث غزة، فهذا البعبع يراد له أن يكون شمّاعة تعلق عليها كل تداعيات الأوضاع السياسية الظالمة في الشرق الأوسط. في وقت وصل بعض المسئولين الأممين إلى إلقاء اللوم على الولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» بالتحديد على انفجار الأوضاع ووصولها إلى حافة الحرب الأهلية، بسبب سياسة التجويع والحصار الطويل على الفلسطينيين.
اليوم، يمعن الأميركيون والإسرائيليون في اللعب بالنار، بإعلان دعمهم المطلق للأطراف «الصديقة» ضد «الانقلابيين» و»الخارجين على الشرعية»، وإذكاء النـزاعات الداخلية، وهو ما ينذر بمرحلةٍ مخيفةٍ من الحروب المتنقلة هنا وهناك، تحقيقا لنبوءة المسئول العربي الذي لم يكن ينطق حينها عن الهوى!
الأميركيون عندما بدأوا حرب العراق، اختاروا مصطلح «الصدمة والترويع»، للتعبير عن دخول العصر الأمبراطوري الجديد، ولم نكن كشعوب عربية ندرك أن هذا التكتيك المرعب ستنتقل شرارته إلى لبنان وفلسطين... حتى وصلت إلى السودان والصومال. السيد محمد حسين فضل الله في قرائته للوضع طرح تساؤلا دقيقا: «كيف أن كلّ المواقع التي قاتلت (إسرائيل) بقوة وبصدق دخلت في لعنة الانقسامات الداخلية وفي أتون التمزقات الداخلية»؟ وهو سؤال على الشعوب العربية أن تجيب عليه؛ لتعرف الخط الفاصل بين خطوط المقاومة وخيوط الاعتدال، بعد أن أصبح التواطؤ على قضايا الأمة مدعاة للتباهي والافتخار.
فضل الله يضيف أن المشهد رغم أنه معقد إلى أبعد الحدود، لكن «ليس إلى المستوى الذي لا يمكن فيه رصد اللعبة التي حرّكتها الأصابع الأميركيّة بمشاركة لاعبين أساسيين يعملون لحساب المخابرات المركزية من مسئولين عرب وغيرهم... فأميركا ومعها (إسرائيل) تريدان لحالة الاضطراب في المنطقة أن تستمر... وخصوصا في المواقع التي تعتبر استراتيجية في حركة المواجهة ضد العدو؛ ليدفع هذا التمزق، إلى مزيد من الانكشاف أمام الخطة الإسرائيلية والمشروع الأميركي».
الملاحظ أن من تكلموا عن «الهلال الشيعي» وتنبأوا بالحروب الأهلية المتنقلة، يظنون أن مواقعهم في مأمن من الاضطراب، باعتبارهم لاعبين أساسيين لهم أدوار معلومة، قام بها الآباء على أتم وجه خلال الخمسين عاما الماضية، وهي مهمة «رسولية» يكملها الأبناء، في اتجاه تعميق الاقتتال الداخلي وتوريط الشعوب العربية في متاهات الحروب الأهلية.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1746 - الأحد 17 يونيو 2007م الموافق 01 جمادى الآخرة 1428هـ