تشكل الأموال العربية المستثمرة في الخارج في صورة استثمارات مباشرة وغير مباشرة وودائع مصرفية، تعبيرا مكثفا عن إهدار المدخرات العربية ونزحها من الاقتصادات العربية إلى الخارج لتستخدم في تمويل الاستثمارات بمختلف أشكالها في البلدان المستقبلة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا التي يمكنها أيضا أن تقوم بإعادة تدوير جانب من هذه الأموال بشروطها إلى الدول النامية وحتى إلى بلدان عربية مقترضة، في حين تفتقد الاقتصادات العربية هذه المدخرات، بما يجعل معدلات الاستثمار فيها متدنية، ولا تكفي إلا لتحقيق حال من التباطؤ الاقتصادي طويل الأجل أو النمو الزائف والمتذبذب الذي يرتبط بحركة أسعار النفط وإيرادات تصديره، أو بحال الطقس ومدى ملاءمتها للمحاصيل الزراعية في البلدان العربية التي تحتل الزراعة فيها مكانة كبيرة. وإذا كانت هناك فجوة بين الموارد الطبيعية الكبيرة المتوافرة في البلدان العربية، وتحديدا النفط والغاز وما يترتب على ذلك من صادرات وإيرادات كبيرة، وبين الواقع المأسوي للاقتصادات العربية التي تدخل إذا أخذت مجتمعة، ضمن بلدان الدخل المتوسط المنخفض، فإن هذه الفجوة المدمرة تحدث بسبب نزح الفوائض النفطية والمدخرات العربية للخارج في صورة استثمارات مباشرة، وغير مباشرة. الحقيقة المرة الثانية التي تصدمنا ونحن نتابع الأموال العربية المستثمرة في الخارج هي أن المعلومات الدقيقة عن حجم الاستثمارات العربية في الخارج غير متوافرة، شأنها شأن الكثير من المعلومات الأساسية عن جوانب مهمة في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية العربية، وذلك لسبب جوهري هو أن لا أحد في العالم العربي يهتم بتكوين قواعد معلومات أو إحصائيات دقيقة ومنتظمة في هذه الموضوعات. والاستثمارات العربية في الخارج ليست استثناء من هذا. فكل ما ذكر من أرقام عن هذا الموضوع المهم لا يعدو أن يكون تقديرات باحثين ومحللين اقتصاديين وبعض المراكز والمؤسسات الاقتصادية، أهمها وأدقها صندوق النقد العربي، ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار. ومع ذلك فحتى هذه المؤسسات تكاد لا تتفق على رقم تقريبي لحجم الأموال العربية المستثمرة في الخارج، ففي العام 2004 قدرتها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بما بين 800 و1000 مليار دولار، في حين قدرها مجلس الوحدة الاقتصادية العربية للفترة ذاتها بـ 2400 مليار. والسبب الجوهري في هذا التباين -إضافة إلى غياب قواعد المعلومات الدقيقة في حياتنا العربية عموما- هو طبيعة هذه الاستثمارات نفسها التي يحرص معظم أصحابها على إضفاء طابع السرية عليها، وطبيعة النظام المصرفي العالمي، إضافة إلى طابع السيولة الذي يغلب على معظم هذه الاستثمارات وخصوصا غير المباشرة منها كتلك التي تتم في الأسهم والسندات في البورصات العالمية. على أن أحدث تقرير لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية يقول إن الارتفاع المتصاعد لأسعار النفط الخام وزيادة كمية انتاجه وتصديره في الدول العربية ساهم بشكل كبير في تحسن الأداء الاقتصادي العام للدول العربية... وسجل الناتج الاجمالي لمجموع الدول العربية في العام 2006 نحو 1.5 تريليون دولار أميركي قياسا بنحو 874.4 مليار دولار، و746 مليار دولار و667.6 مليار دولار خلال الأعوام 2005 و2004و2003 على التوالي. وقد انعكس ذلك إيجابا على حجم الاستثمارات العربية في الخارج. ويذكر أمين عام اتحاد المستثمرين العرب السفير جمال بيومي في حديث هاتفي مع «الأسواق.نت» أن البعض يقول: «إننا نحقق تقدما ولكن القضية لا تُبحث بهذا الشكل وإنما هل نتقدم بالشكل الكافي أم لا؟ وهل نتقدم بالسرعات التي يسير بها الآخرون؟», مؤكدا أنه لا يوجد نقص في حجم السيولة اللازم للاستثمار وإنما توجد فوائض كبيرة لا تستوعبها القنوات الاستثمارية المتاحة, أي أن المشكلة في المنطقة العربية عكس المشكلة في كثير من الدول التي تحتاج إلى أموال لاستثمارها. وذكر أن الاستثمارات العربية البينية تبلغ قرابة 60 مليار دولار, على رغم الطفرة التي حدثت العام 2005، بينما الاستثمارات العربية في الخارج تقدر بنحو 1200 مليار دولار وهي ليست أموالا خليجية فقط إنما من دول أخرى، وعلى سبيل المثال تتراوح استثمارات المصريين في الخارج بين 100 و120 مليار دولار. وكانت الاستثمارات البينية بلغت 38 مليار دولار العام 2005 مقارنة مع 6 مليارات في العام 2001. وأشار إلى أن الأموال العربية لم تتجه إلى الخارج بسبب نقص في الولاء وإنما بسبب ضيق قنوات الاستثمار, وإلى أن الأمر لايقتصر على الراغبين في استثمار مبالغ كبيرة، موضحا أنه لا توجد وسيلة في مصر على سبيل المثال تستوعب المدخرات الصغيرة. وقال إن نحو 350 مليار دولار مكدسة في مصارف خليجية نتيجة عدم القدرة على استثمارها داخليا أو خارجيا بعد أن بدا عدم ترحيب الغرب بالاستثمارات العربية وذلك ضمن نتائج حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001, مشيرا إلى العقبات التي واجهتها عملية شراء شركة «موانئ دبي» لعمليات شركة «بي اند أو» في موانئ أميركية الأمر الذي أفشل الصفقة. وأكد أن القدرة المحلية على استيعاب الأموال محدودة والمطلوب تعزيزها بالتنمية المشتركة المتواصلة على مستوى العالم العربي وبتطوير أسواق المال بإدراج المزيد من الشركات حتى لا تدخل السيولة الكبيرة للمضاربة على هذا العدد المحدود من الشركات الأمر الذي يرفع الأسعار إلى قيم غير حقيقية كما حدث العام 2006.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1746 - الأحد 17 يونيو 2007م الموافق 01 جمادى الآخرة 1428هـ