العدد 1746 - الأحد 17 يونيو 2007م الموافق 01 جمادى الآخرة 1428هـ

«غونغو» لكل مواطن... «حركة» لأجل «الحركة»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

لا أدري ما عسى أن ينتهي إليه من إنجاز ذلك النمو السرطاني المنفلت لخلايا جمعيات ومراكز وتيارات «الغونغو» في بنية المجتمع المدني البحريني، والتي تعد أحد أكثر أشكال اختراق الدولة للمجتمع شيوعا وانكشافا ومراوغة من خلال محاولة خلق إرادات اصطناعية، وتصدير خطابات اجتماعية وسياسية مزيفة تستهدف خنق وتصفية أي حيز استقلالي وحيادي جدلي بين المجتمع والدولة؟!

وإن كانت تلك الجمعيات والمراكز الحقوقية والتيارات «الغونغو» تدعي أنها وجدت وأنشئت لخدمة أهداف وطنية، ولتمثيل رؤى وإرادات شعبية سياسية مغيبة، فإن الواقع يفضح كل ذلك، ويبين الغاية من تأسيسها، والتي لا تخرج عن التربص بمنظمات المجتمع المدني، والتصدي لحراكها المجتمعي والسياسي ومحاولة تصيد أخطائها وزلاتها قدر الإمكان، والعمل على توليد وخلق اتجاهات مضادة ومتصادمة مع بعض منظمات المجتمع المدني المستهدفة ليس لهدف غير عرقلة وإعاقة التطور الاجتماعي والسياسي في صفوف جماهير تلك المنظمات، ولا أستبعد ألبتة أن يتبنى شعار «غونغو لكل مواطن» في هذه المرحلة!

بل والأدهى من ذلك الصدام المصطنع لأجل الصدام، ومن التضاد المستنبت لأجل العرقلة المجتمعية والسياسية والدخول في دوائر من الأزمات المجتمعية والسياسية هو أن يكون ذلك الافتعال والافتئات الفج قد أريد له أن يسير حسب أجندة تفتيت وتقسيم طائفي للمجتمع البحريني ترتمي خلفه أهداف وتكتيكات سياسية مرحلية ترمي إلى إضعاف وعي المجتمع سياسيا وحقوقيا!

وربما الإصدار الأخير ضمن سلسلة جمعيات ومؤسسات وتيارات «الغونغو» الاصطناعية هو ذاك الإعلان عن تأسيس «تيار» بواجهة من شخصيات بات بعضها في عداد المكشوف والمفضوح سياسيا، والمنتهية صلاحيته شعبيا، والتي تفتقد لأدنى مستلزمات الكاريزما السياسية والاجتماعية وحتى الكاريزما الشعبوية، ولذلك ربما هي تحرص على استخدام إكسسوارات و»فالصو» سياسي واجتماعي طائفي تحريضي يحاول التستر قدر الإمكان بأغطية وملاءات وطنية لا تجديه نفعا!

ولعل المساءلة الموضوعية والمنطقية الصادرة من نية صافية ووعي غر، والمتجردة من التعرض للخلفيات الاجتماعية والسياسية والفكرية للقائمين على تأسيس هذا «التيار»، وما تورطوا فيه من فضائح مثيرة هزت الوطن ومواطنيه لكفيلة وحدها بنسف الجدوى التأسيسية السياسية لمثل هذا «التيار» الذي يروم «تحريك الغالبية الصامتة»، ويستنبط من شعار «لاقونا ونلاقيكم ونكسر حلاقيكم» بوصلة ومضبطا لسيره الاجتماعي والسياسي على الساحة المحلية!

فالسؤال الرئيسي المطروح على «تيار» كهذا وعلى القائمين عليه هو بشأن نهاية مطاف «جماعة» مع المزيد من الصدام والمناكدة؟!

وما هو الأفق النهائي المرسوم في التصعيد ضد الأطراف الأخرى؟!

هل من المجدي واقعيا وسياسيا الاستمرار في التجرؤ على تخوين حزب وحركة سياسية معارضة تحمل من شرعية التمثيل الشعبي ومن حجم الوجود الاجتماعي والسياسي أضعاف ما قد يحمل ويود يحلم به هذا «التيار»، فلا يمكن لعاقل يحترم نفسه ويصادق عقله أن يتعامل مع حراك سياسي شعبي ضخم يحمل شعارات وطنية تعني جميع المواطنين وإن كان ضمن مسمى وتقسيم طائفي بحكم الواقع، وذلك على اعتبار أنه حركة «ضالة» ومتمردة تستلزم التأديب والتعقيل الأمني؟!

فإن كانت هذه الجمعية وهذا الحزب السياسي يحتكر التمثيل السياسي البرلماني لطائفة كبرى من المجتمع البحريني، كما تمثل وتستقطب تلك الحركة المعارضة غير المنضوية تحت قانون الجمعيات السياسية قطاعا شعبيا آخذ في الازدياد والاتساع، فهل سيتم لأجل ذلك إلغاء طائفة ذات دور تاريخي بارز وثقل اجتماعي وسياسي كبير في الوطن، وتخوينها وتحميلها بكامل الوقاحة والفجاجة السياسية عبء التسبب في أزماتنا الوطنية؟!

إن كان شأن ديني مذهبي كـ «الخمس» - بحسب «التيار» - متسببا في أزمة البطالة والعطالة وعدم حلها، فماذا عن دور استقطاعات «الربع» و»الثلث» و»النصف» و»الثلاثة أرباع» من الثروات الوطنية غير المستحقة شعبيا، ودورها في تعزيز الفساد الإداري والمالي، وفي إدامة سوء توزيع الثروات وفي تغييب العدالة الاجتماعية، وبالتالي إسقاط المواطنين دون الوطن في جحيم الفقر والعدمية المعيشية؟!

ماذا عن فرض تطبيق فريضة الزكاة على الجميع ابتداء من الأعلى حتى الأسفل يا فضيلة شيخ ومفتي «التيار»؟!

هل الطائفة الشيعية الكريمة - بحسب «التيار» - هي المتسببة بأزمات الشعب البحريني المعيشية، وهي الأزمات ذات الامتدادات التاريخية منذ عقود من الزمن، والتي ظلت ولا تزل من دون حل تنفيذي يذكر لمعالجتها جذريا؟!

هل سيتهم «وجهاء» و»طراروة» هذا «التيار» جميعا أشقاءنا من أفراد الطائفة الشيعية الكريمة بأنهم، ومن خلال انتظارهم «الغائب المنتظر» بالمساهمة في تعطيل مسارات التنمية الشاملة في البلاد وفي عرقلة تطوير أوضاع العباد؟!

فأي وطن ووطنية مطلوب تحقيقهما بمقتضى ذلك الإلغاء والتحريض الطائفي الذي لا يتقبل الحقائق الاجتماعية والسياسية ولا يقرأ الخريطة جيدا؟!

هل يحتمل الوطن الواحد كل هذا الصدام والمناكفة والمناكدة السياسية؟!

هل يكتمل نمو الوطن بإلغاء جزء كبير من جسده؟!

برأيي لو كان أفراد هذا «التيار» جادين في دعواهم وبياناتهم المدفوعة دفعا لتطرقوا إلى جذور القضايا والمطالب الوطنية التاريخية التي تمنح حركات المعارضة السياسية كـ «الوفاق» و»حق» شرعيتها الاجتماعية والسياسية، وتزيد من رصيدهما معا بغض النظر عن التكتيكات السياسية المتبعة من قبلهما؟!

فماذا لو تطرقوا إلى وقائع أزمات الجمود الإصلاحي والدستوري والتجويف والتفريغ التشريعي والنيابي الحاصلة، ودورهم جميعا في زيادة حجم الممانعة والمقاطعة الشعبية للعملية السياسية بدلا من ابتزاز المواطنين بتأدية الدولة لحقوقهم وإنجازها لأبسط واجباتها في حقهم؟!

أفراد هذا «التيار» لم يكلفوا أنفسهم عناء إصدار بيان عن أزمة الانقطاعات المستمرة والمتواصلة في الكهرباء والماء ودورها في تعطيل أبسط المصالح الحيوية للمواطنين، وفي الإضرار بسمعة البلد على رغم وجود المختصين المحترفين والمهنيين بينهم ممن يزاولون «النشاط السياسي» بدوام نصفي وجزئي؟!

هل لأن هذه الأزمة غير قابلة للقسمة على اثنين بحسب إحصاءات الانقطاعات، أم لكون مفاتيحها في يد الدولة التي يحرم بحسب «التيار» التعرض لها ولو نصحا، وهو على رغم ذلك يدعي أنه تيار شعبي ومجتمعي، هذا إن كانت معايير الشعبية مأخوذة من الاستهلاك الشعبي للمسرحيات التجارية و»السيرك» وعروض «الطبالين» المتجولين؟!

فليسمح لي أفراد هذا «التيار» كمواطن بأن أخاطب المعامل التي أنتجت وفرَغت من رحمها تيارهم، وخير البطون المجتمعية والسياسية التي أنجبت «زينتهم» و»حلاتهم» و»اكسسواراتهم»، فأنصحها بأن تستثمر وتحول جميع الأموال الهائلة التي استثمرتها في جمعيات وتيارات وأحزاب «الغونغو» الفاشلة تجاه أبسط قنوات التنمية الحقيقية والصرف الوطني ومعالجة جذور الأزمات الوطنية المتراكمة عليها أطيان الحرمان والتجاهل و»التطنيش»!

على الأقل لتكن في أسوأ الأحوال رشوة ريعية أو «دفع بلاء» أو حتى «خيشة عيش لكل مواطن» تقدمها هذه المصانع للمجتمع باستمرار لا أثناء فترة الانتخابات فقط، بدلا من أن يترك المواطن الفقير يموت من الضحك، وشر البلاء ما يضحك، تجاه تبني شعارات «غونغو لكل مواطن» أو «حركة لأجل الحركة» لأن الحركة بركة!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1746 - الأحد 17 يونيو 2007م الموافق 01 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً