العدد 1745 - السبت 16 يونيو 2007م الموافق 30 جمادى الأولى 1428هـ

مغازلة التطرف وفق آلية التربص والتحالف المرحلي

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يدر في وسع محدثي عضو مجلس الشيوخ الذي جاء ضمن وفد الكونغرس الأميركي أن يكون سؤالي له في مستوى الصراحة والمكاشفة، وهو يوضح لمستمعيه مبررات خطة حكومة بلاده لاحتلال العراق، وذلك في الندوه التي نظمتها جمعية المنتدى في فندق الدبلومات قبل غزو العراق واحتلاله بعد أشهر. فقد تعود الغرب منا المجاملة والمحاباة كجزء من ثقافة الكرم الحاتمي والمبالغة في اكرام الضيف حتى على حساب مصلحة الذات.

فقد تركز سؤالي على أن الهدف المعلن لاحتلال العراق هو القضاء على الارهاب أو مصادر التهديد للسلم العالمي الذي كانت تمثله اسلحة النظام الدكتاتوري في العراق، والتي كانت مصدرها في الأساس شركات صناعة السلاح الغربية بمباركة حكوماتها الديمقراطية. إلا أن الهدف غير المعلن هو احتلال منابع النفط بعد ان نضجت تفاحة العراق وحان اقتطافها كما ساد الاعتقاد قبل قرار الغزو الاممي. فهل كان صانع القرار الأميركي ملما بالنتائج المترتبة على قراره؟

لقد تجاهل عضو الكونغرس الجزء الأول من سؤالي وأجاب بصراحة يشكر عليها على الجزء الثاني، وهو ان الحكومات الأميركية في عادتها لا تفكر في النتائج، وهو ورفاقه في مجلس الشيوخ لا يعرفون الكثير عن عواقب قرارات الإدارة الحكومية.

الغاية تبرر الوسيلة، فما دام الهدف هو تدمير الطرف الآخر وتفكيكه فإن التحالفات لتحقيق هذا الهدف ليست لها حدود. أما الطريقة التي سيتم بعدها ترتيب الأوضاع في البلد المدمر فلا يتم اشباعها بحثا في مستوى الدراسات والبحوث التي استنفدتها خطط الحرب وطرق اعدادها. ففي فترة الحرب الباردة استخدمت الولايات المتحدة الأميركية كل الوسائل الميكافيلية لتفكيك واخضاع القوة العظمى المنافسة، فنصبت لها شراك افغانستان واستدرجتها فكانت الضربة القاضية من خلال حرب استنزاف سخر لها الإسلام السياسي ممثلا في طلاب المدارس الدينية الذين تربوا في باكستان وغذتهم شبكة عالمية بالرجال وسخرت لهم أموالا طائلة وأسلحة متطورة في منظومة تحالفات متقاطعة احيانا ومتقاربة احيانا أخرى ضمن مقولة عدو عدوي صديقي، ومفهوم العدو الحليف.

فكان ذلك التحالف الشاذ بين قوى الأرهاب والتطرف، والاستكبار الصليبي، كما يحلو لحلفاء الأمس اطلاق المسميات على العدو الحليف اليوم. فهل كانت الولايات المتحدة الأميركية مدركة حقا لعواقب تحالفاتها الآنية حتى مع الشيطان؟ فلو كانت مدركة حقا لهذه العواقب واخضعت قراراتها لمفاهيم الربح والخسارة التي تجيد جامعاتها العريقة نماذجها الرياضية، لاكتشفت أن ما تخوضه حاضرا من حروب على حلفاء الأمس ربما زادت كلفها على حربها الباردة مع عدو لا يجرؤ على قصف وزارة الدفاع وبرج التجارة العالمي في قلب العاصمة العظمى دون التضحية بعواصمه وبنائه الحضاري. فتوازن الرعب بين عدوين يقفان في مواجهة بعضهما بعضا يختلف تماما عن قتال عدو متربص كالأطياف التي لا يدرك وجودها ولا متى وأين ستوجه اسلحة دمارها.

فهذه الحال كفيلة بإثارة رعب دائم وتوتر نفسي وتأهب مستمر واستنزاف للطاقات وانتهاء لصورة المجتمع الآمن المتحضر ليحل محله المجتمع القلق المشكك في كل شيء يتحرك من حوله بسبب الخوف من المجهول وانعدام الطمأنينة، لقد ادخلت الولايات المتحدة الأميركية بسبب سياستها الانتهازية الثعبان في جيبها، فتحالفت مع قوى التطرف والارهاب التي تغلغلت في اجهزتها لتجهض عليها في عقر دارها. وهي الآن تدفع الثمن غاليا في حرب ضروس تمتد من افغانستان إلى بلاد الرافدين التي أصبحت ساحة لتصفية حسابات حلفاء الأمس. الولايات المتحدة تعيش الآن ورطة تحالفاتها المرحلية، فالسلاح والخبرة التي نقلتها لحلفاء الأمس ارتدت عليها من افغانستان إلى بغداد، ما اضطرها الى اللجوء إلى ماتسميه محور الشر للبحث عن مخرج لهذه الورطة التي ان استمرت فستقوض من هيبتها السياسية وقوتها الاقتصادية علاوة على النزيف البشري المستمر لارواح شبابها. ان التحالف مع قوى التطرف والارهاب هو أشبه باللعب بذيل الأسد، فالتطرف في مفهومه الواقعي لا يعني أن يتشبث المرء بفكره أو مبادئه، أو حتى الا يترك مجالا للمرونة في الحوار، بل ان التطرف هو ابعد من ذلك. انه العمل على الغاء الآخر وانكار حقه في الحياة لمجرد الاختلاف معه في الرأي. ان هذا النوع من التطرف هو في بعض جوانبه صناعة غربية تمت رعايته لأغراض سياسية آنية فسخرت له الأموال واستحوذ على منابع النفوذ في كثير من الاقطار حتى قوي عوده فأصبح يضرب في كل مكان تطاله اذرعه المنتشرة في بقاع العالم. وتاريخنا الحديث يحكي لنا وقائع كثيرة انقلب فيها السحر على الساحر وسقطت فيها مقولة عدو عدوي صديقي وذلك عندما تسللت قوى التطرف إلى مكامن الثروة والنفوذ السياسي، كما تتسرب المياه بين الصخور فهيمنت ومارست ابتزازا لا خلاص منه على صناع القرار بعد ان تمكن من استمالة الناس بالمال وأساليب غسل الدماغ، واستغلت العواطف والمشاعر الدينية احيانا، والعوز والحاجة احيانا أخرى، حتى تحول هذا التحالف المرحلي مع قوى التطرف إلى مرض عضال لا خلاص منه.

فالى أولئك الذين لا يقرأون التاريخ، نقول توقفوا برهة وراجعوا حساباتكم، فالحكمة هي ان نتعلم العبر بدلا من تكرار اخطاء من سبقونا، فلنكف اذا جميعا عن مداعبة التطرف فهذه لعبة لم يقوعليها حتى الكبار.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1745 - السبت 16 يونيو 2007م الموافق 30 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً