أن تصل إلى درجة « تكفير الآخر» يعني أنك وصلت إلى درجة من إلغاء ذلك الآخر ورفضه، إلغاء يخرجه من دائرة الإيمان التي تعتبر نفسك فيها، إلى دائرة الكفر التي تجعل ذلك الآخر «الكافر» عدوا لدودا. وبذلك تكون نصبت نفسك حكما عالما بالأمور، وقادرا على إصدار الأحكام «الشرعية» بجدارة.
ولعل إطلاق أحكام تكفيرية على أشخاص بعينهم، أو جماعات بعينها، كانت التهمة الأكثر قوة والأشد «وصما» للتيار السلفي في كثير من المواقع، فالتيار السلفي في أذهان الكثيرين، وخصوصا بعد موجات الإرهاب والعمليات الانتحارية هو التيار «التكفيري»، الذي يعتبر الآخر، كل الآخر الذي لا يتبع ما يتبعه «كافرا».
غير أن التيار السلفي في عمومه لا يدعو للتكفير، وليس هذا دفاعا عنه بقدر ما هو محاولة للاقتراب والفهم. التيار السلفي فكريا يدعو للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمؤمن الصالح لدى هذا التيار هو الذي يحاول أن «يقوَم» الخطأ لو رأى غيره من المسلمين يرتكبه، والمؤمن الصالح هو الذي ينهى ذلك المسلم عن ذلك الخطأ. وفي حال رأى أن لا فائدة من تقويمه فأقصى ما يمكن أن يحصل هو اعتبار ذلك «المخطئ» فاسقا أو منحرفا. أما الوصول إلى التكفير، فكثيرا ما ارتبط على ما يبدو بأغراض سياسية، ومن الواضح أن عموم السلف في البحرين تحديدا لا يجوزون القيام بهذا الأمر، حتى خرج «رمزهم الروحي» الشيخ عادل المعاودة أخيرا ببيانه الذي حذر فيه من التكفير معتبرا إياه « مسلكا خطيرا كان ديدن الخوارج منذ فجر الإسلام، وأنه فكر منحرف لا يزال مذاك ينخر في جسد الأمة وفي كل زمان».
تصريحه ذاك، الذي جاء ردا على بيانات انتشرت في عدد من مساجد المحرق أخيرا لجماعة تسمي نفسها «جماعة أنصار الخلافة» وتدعو لتكفير ولاة الأمر وعموم المسلمين الذين لا يتوافقون مع توجهات هذه الجماعة، دفع الجماعة نفسها للثورة عليه، وإطلاق بيان مضاد له يكفره أولا، ويعتبره «شيخ الإرجاء والإرجاف».
وعلى رغم كون المعاودة رمزا لا يستهان به لدى التيار السلفي في البحرين، فإنه لم يسلم هو الآخر من تهمة «التكفير» التي وقف وحده متصديا لها ومحاربا.
كل ما يحصل في هذا الصدد يدعو للوقوف والتأمل والتخوف أيضا من دخول البحرين في مرحلة جديدة يكون «التكفير» لاعبا رئيسيا فيها، فالبحرين التي لم تتعود على وجود مد تكفيري فيها، لا تبدو قادرة على احتمال مزيد من الشحن الديني والطائفي الذي يحمل انعكاسات سياسية كبرى، ويشكل انعكاسا واضحا لما يجري في الخارج.
المعاودة يتحمل الآن وحده الرصاص الموجه من الجماعة «التكفيرية» التي تؤسس جذورها في البحرين حاليا، ولعل المسئولية كبيرة جدا حاليا على عاتق باقي رموز التيار الديني السلفي في البحرين، فعلى رغم تفرغ كثير منهم للعمل الديني عن السياسي، إلا أن وجود كلمة لهم في الساحة حاليا مهم للغاية لاحتواء أي أزمة قبل أن تحصل.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1744 - الجمعة 15 يونيو 2007م الموافق 29 جمادى الأولى 1428هـ