العدد 1744 - الجمعة 15 يونيو 2007م الموافق 29 جمادى الأولى 1428هـ

وثيقة الحرية الذاتية

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

تأسست جمعية البحرين النسائية العام 2001 متزامنة مع بدء الانفراج وتدشين مشروع الإصلاح الذي طرحه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. ومنذ بدء نشاطها تميزت الجمعية بخط معين انعكس في نوعية الفعاليات التي تنفذها والمشروعات التي تدشنها والتي تنحى جميعها منحى التنمية الإنسانية. وذلك تلبية للرؤية الأساس التي طرحتها الجمعية وهي تمكين كوادر قائدة في مسيرة التنمية الإنسانية. وكذلك تلبية لأهداف الجمعية التي تظهر اهتماما واضحا بقضايا التنمية الإنسانية في مفهومها الشامل وأبعادها الكونية مما لا نجده في أهداف جمعيات نسائية أخرى.

أهداف الجمعية من قبيل: نشر المفاهيم الثقافية الجديدة المواكبة لروح الحضارة الإنسانية، والمساهمة في سَّن وتطوير القوانين المتعلقة بالتنمية الاجتماعية، والمساهمة في القضاء على مختلف أشكال الأميّة المعرفية الناتجة عن التسارع المعرفي، هي أهداف تلبي تلك النظرة الشمولية لتحقيق المشروع الإنساني الذي ترى الجمعية أن الإنسان مكلف بتحقيقه تنفيذا للإرادة الإلهية.

وكما اتسقت خطط الجمعية ورؤيتها الفلسفية مع أهدافها، كذلك جاءت مشروعاتها الكبيرة والصغيرة لتصب في النهر ذاته. فعلى صعيد الملتقيات الفكرية، نظمت الجمعية ملتقيين عربيين اتسق موضوعاهما مع رؤية وأهداف الجمعية في مسار التنمية الإنسانية هما: الملتقى الأول بعنوان «نحو إقامة مجتمع المعرفة» والملتقى الثاني بعنوان «الحرية الذاتية جوهر التنمية الإنسانية». ودشنت الجمعية مشروعات ناجحة أساسها التنمية الإنسانية وأهمها: «كن حرا» و»اليد البيضاء» و»المواطنة البيئية» و»انطلاقة امرأة».

خلال عمرها القصير عززت «البحرين النسائية» موقعها على خريطة الجمعيات والمنظمات العالمية ذات الهموم والتوجهات المشابهة، ونالت بذلك الدعم والتمويل لمشروعاتها وأنشطتها، بل وحصدت مشروعاتها الكثير من الجوائز الدولية.

أشعر بقوة أن هذه الجمعية متصالحة تماما مع ذاتها ورؤيتها وأهدافها، وفي سياق خطها الفلسفي ورؤيتها التنموية وكحصاد لملتقييها الأول والثاني سالفي الذكر جاء إصدارها منذ شهرين لوثيقة الحرية الذاتية. لسنا هنا بصدد استعراض بنود ومحتوى الوثيقة فقد تم توزيعها وغدت متداولة بين الناس. اهتمامنا ينصب من جهة على الجوانب المضيئة في الوثيقة، ومن جانب آخر على صدى وفاعلية الوثيقة كرؤية فلسفية في واقع المرحلة التي نعيش.

تشد القارئ في مستهل الوثيقة إضاءة معبرة أوردتها الجمعية ضمن مبرراتها لإصدار الوثيقة هي: أن يكون توجه الساحة العالمية نحو الإصلاح نابع من إنسانيتنا ولإنسانيتنا. وذلك تنويه يملك أهمية كبرى في كنف منظومة عالمية توجهها مصالح لا إنسانية ويحركها الأقوياء وتتكالب عليها متطلبات العولمة المتوحشة المؤسسة على استلاب إنسانية الإنسان.

في هذا الاتجاه تضع الجمعية على عاتقها مهام بناء ثقافة الحرية الذاتية معتبرة ذلك التزاما أخلاقيا تجاه عالمنا الإنساني. ومن الاضاءات اللافتة في الوثيقة تعريفها للحرية الذاتية بأنها قناعة ذاتية واعية تعبر عن نفسها قولا وفعلا من دون عوائق ذاتية أو مجتمعية أو ثقافية شريطة الاعتراف بالآخر واحترامه. أؤيد وأدعم هذا التعريف، كما أتفق مع ما ذهبت إليه الوثيقة من أن قوام الحرية الذاتية يفترض أن يتأسس على العلم والمعرفة والتفكير الموضوعي. ذلك إلى جانب اهتمام الوثيقة بتأكيد أدوار مؤسسات مجتمعية مهمة في بناء وتأصيل مفهوم الحرية الذاتية في الوعي الفردي والجمعي كالمؤسسة الأسرية والتعليمية والتشريعية والدينية والإعلامية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.

أما عن صدى وفاعلية الوثيقة كرؤية فلسفية في واقع المرحلة التي نعيش، فإن المرء يلمس طرحا مثاليا لقضية الحرية الذاتية في بُعد عام شامل للمنظومة الكونية صادر عن قناعة الجمعية بالمشاركة في تنفيذ الإرادة الإلهية لتحقيق المشروع الإنساني. قد يكون طرحا متقدما سابقا لعصره، لكنه طرح يحلق في أجواء بعيدة عن واقع محلي وإقليمي وإسلامي مثقل بكميات هائلة من الظلم والجهل، مثخن بجراح الاحتياج الإنساني الملح لأساسيات الحياة. القول بأن الحرية الذاتية هي جوهر التنمية وأنها مفتاح لنيل كل الحريات والحقوق قول جميل، لكنه يصطدم بواقع مرير تطحن عناصر الصراع المضطرم فيه المَلكات والقدرات الذاتية للإنسان وقد تسطو على ما بلغه هذا أو ذاك من البشر من حرية ذاتية حقة فتسلبه إياها بهذا الشكل أو ذاك. فلا مناص - والحال هذه - من أن تتحرك بنود الأولويات لتحل بعضها مكان الأخرى. وذلك ليس بالنسبة للإنسان المحاصر بالظلم والجهل فحسب بل وأيضا بالنسبة للنخب التي وان نجحت أطراف منها في بلوغ القدر المرتجى من الحرية الذاتية، إلا أن الواقع يفرض أولوياته حتى في وجه تلك النخب. لا مناص - إذن - من العودة للواقع والالتفات للمُعاش بين ظهرانينا ومواجهة الظلم والجهل والاحتياج بمساهمات تنموية تنويرية(نعتدُ هنا بإنجازات جمعية البحرين النسائية التنموية والتنويرية).

ولا بأس ضمن الإطار الأعم أن يُبذل بعض الجهد لبناء ثقافة الحرية الذاتية وتعزيز مفهومها في فكر وسلوك الناس. ما نذهب إليه نابع من خشيتنا أن تؤول التوجهات والرؤى ذات المنظور الإنساني العالمي بمعاييرها بشأن أولويات الإصلاح وإجراء التغيير إلى الاصطدام بمرارة الواقع، وقد تؤدي بصاحبها إما إلى التغريد خارج السرب أو تنتهي به للعزلة والغربة والانزواء.

تضمنت الوثيقة معان وقيما إنسانية رفيعة ومتقدمة نابعة من رؤية فلسفية عميقة. إلا أن اشتراط الحرية الذاتية مدخلا لكل الحريات ينطوي - برأينا - على قدر من المثالية يصطدم بالواقع ولا يُلَبي إلا في مدن فاضلة. واقع الظلم والجهل الذي نحيا يظهر أنه حتى النخب التي تصالحت مع ذاتها وأمسكت بزمام حريتها الفردية، تجد نفسها - في بعض المواقف - تتنازل بشكل أو بآخر عن معنى من معاني تلك الحرية. وليس أدل على ذلك مما اتُخذ من مواقف مناهضة لحرية الإبداع في عرض «مجنون ليلى» أحد فعاليات ربيع الثقافة البحرينية في مارس/ آذار 2007.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1744 - الجمعة 15 يونيو 2007م الموافق 29 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً