أدى تنحي أو تنحية علماء وشيوخ دين سنة عن المطالبات الحقوقية، وغياب رمز معارض سني، بالمعنى الدقيق للتمثيل المذهبي، إلى غياب الرمزية لدى الأجيال. إضافة إلى عدم التضامن الاجتماعي، أي غياب المساندة الاجتماعية مع من يحاول التغريد خارج السرب! عضد من سلبية السنة الحاضرة اليوم.
سلبية السنة نلمسها لدى كبار السن، فمجموعة عريضة منهم تعبر عن خشيتها من المعارضة، مبررين تلك الخشية من رد الفعل السلطوي، مستذكرين مواقف الكثير من الساسة السنة الذين تعاملت معهم سلطة «أمن الدولة» بقسوة شديدة، ناهيك عن دافع الخوف من الشيعة، ويتعزز هذا الخوف في المطالبات ذات النبرة العالية، وهذا الخوف يسيطر على المخيال الجمعي لدى السنة. إضافة إلى الخوف من «تركك وحيدا في الميدان» وان لا أحد سيقف معك.
لدي حصيلة معرفية جيدة تقوم على كثرة من الشواهد والحوادث والوقائع التي جرت لرموز سنية معارضة. من هؤلاء الشيخان عبداللطيف المحمود ونظام يعقوبي، وكذلك وجوه عدة لن أشير لها لكي لا تنوء بأثم كتابتي عنها بما يستوجب العقاب! فأنا مازلت أحمل في داخلي هاجس الخوف من سلطة أمن الدولة (الفزاعة القابعة في المخيال الجمعي للسنة) ومن الوقوف وحيدا في الميدان! الشيخان انفض من حولهما الناس، بدافع الخوف من سلطة «أمن الدولة»، وبدافع المحافظة على لقمة العيش. وتلك المأساة تتجرعها اليوم أجيال السنة.
التضامن الاجتماعي للسنة يصل حد الاحباط في العمل الحقوقي، وهو ما شكل قطعا للطريق بالنسبة إلى المطالبات المشروعة من قبل السنة كمواطنين. واستشراء الاحباط من عدم وجود التضامن الاجتماعي للسنة يقابله تضامن على مختلف المستويات لدى أقرانهم من أبناء الشيعة. وهو تضامن يتجلى في معظم المطالبات الشعبية المشروعة للشيعة. وهناك الكثير من الوقائع والحوادث التي جرت أو تجري اليوم على أرض الواقع تؤكد وجود وانعدام التضامن الاجتماعي لدى السنة والشيعة. وعلى سبيل المثال جدار وحظور المالكية لدى الشيعة (ما بات يعرف بمخالف المالكية). والشقق السكنية التي تنوي وزارة الإسكان بناءها بدلا من بيوت في المنطقة المعروفة بـ»الدفنه» (مجمع 207). ففي المالكية رأينا التضامن الاجتماعي العام لدى أبناء الشيعة كمواطنين أصحاب حقوق، في حين شكلت قضية بناء شقق بدلا من بيوت في المنطقة التي يقطنها أبناء السنة مثالا لانعدام التضامن الاجتماعي لدى السنة. في حين ان مجالس السنة في المحرق تتعاطف وجدانيا مع «أهل الدفنه»؛ إلا أنه في الواقع العملي لا تضامن اجتماعي مع القضية ولو بقدر واحد في المئة من الناس! ليس سكان مناطق المحرق المحاذية بل أصحاب الشكوى ذاتهم!
أخيرا، فإن جذور السلبية لدى السنة في البحرين مركب من عدة عناصر: شيوع نظرية ولي الأمر والتوسع فيها، فساد شريحة من النخبة الدينية (بعضهم يصوغ خطبة الجمعة بحسب رسائل نصية يتم إرسالها لهم) وضعف أداء البرلمانيين السنة وتراجعاتهم، فزاعة أمن الدولة، المحافظة على لقمة العيش (الفتات)، عدم التضامن الاجتماعي (البقاء وحيدا في الميدان) و»عسكرة السنة». من جانب آخر، مطالبات بعض الحقوقيين الشيعة المطأفنة لكل القضايا. وغيرها من عناصر قد نتطرق لكل منها على حدة في الأيام المقبلة.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ