التقيت خلال الأيام القليلة الماضية بإحدى صديقاتي القريبات التي غابت عنّي منذ زمن بعيد بسبب تعقيدات الحياة والانشغالات المتلاحقة، فرحت كثيرا للقائها المفاجئ وغير المنظم فقد وجدتها بالصدفة و«رب صدفة خير من ألف ميعاد»، أخذنا معا نتبادل أطراف الحديث لم ندرك حينها الوقت لطول غياب، وطوال فترة حديثنا شعرتُ من خلال نبرة صوتها بأن صديقتي التي أشتاق إليها فقدتْ بريق حديثها وأصبحت باهتة المنظر، أحسست من ملامحها ومن نبرة صوتها بأنها تعيش حالة حزن دفين، ولم أشعر حينها بأنها سعيدة في حياتها على رغم أن الله تعالى قد مَنّ عليها بزوج وذرية، إلى جانب كونها قد أكملت دراستها الجامعية وتعمل وراتبها -ولله الحمد- جيّد، حاولت دراسة أوضاعها وأتفحصها لعلّي أضع يدي على سر حزنها، ولكن لم أستطع.
سألتها عمّا ألحظ عليها فأجابت على الفور: نعم ما تقولينه صحيح، أنا حاليا لا أشعر بالسعادة فحدسكِ دقيق جدّا بل أظن بأنني تعيسة.
طيّب سألتها: ما سبب كدرك علّيْ أستطيع مساعدتك؟
فأجابت لا يمكن لكِ مساعدتي، ولكن على كل حال سأبوح لكِ بما أكنّه في نفسي من حزن ربما تعذرينني إلى جانب أنني سأرتاح إذا ما عبّرت عمّا بداخلي.
أخذتْ تحكي ما بها وبدوري استمع إليها وأتطلع في قسمات وجهها، وإلى قصتها التي أشبه ما تكون بفيلم سينمائي غير واقعي، قصتها باختصار شديد تعبّر عن مأساة الإنسان عندما يغيب وعيه ويثق ثقة مطلقة حتى بأعز إنسان لديه.
سأسرد إليكم قصتها وهدفي من وراء ذلك العِبرة والموعظة وإرشاد من حولي حتى لا يقعوا في الخطأ ذاته، وأعتقد بأنه هناك كثر من حولنا لربما وقعوا في الفخ نفسه للأسباب نفسها.
قصتها تبدأ حينما وثقت بأخيها الكبير عندما طلب منها أن تساعده في اقتراض مبلغ خيالي من أحد المصارف بحجّة أنه لا يمكن له أن يفعل ذلك، طبعا لم يكن قرارها وحدَها بل شاورت مَنْ حولها وفي النتيجة النهائية أنها ساعدته، وأخذت من أحد المصارف قرضا مدته عشر سنوات يعني ما يقارب 50 في المئة أو ربما أكثر من راتبها، على أن يدفع بالمقابل إليها المبلغ بشكل شهري، ولكن القرض يبقى باسمها، وثقتْ طبعا بأخيها الكبير وما كان منها إلا التفاعل مع ما يطلبه ولا سيما بأن أوضاعها المادية وقتها تسمح لها بذلك، ولكن لم تكن تعلم بأن الأيام تخفي لها ورطة بسبب عدم إيفائه بالدين وتنصله من القرض وتهرّبه من الدفع، فما كان منه إلا مقابلة الإحسان بالإساءة فقد حدث أن أعطاها فقط ثلاثة أشهر وبقت السنوات العشر في رقبتها، تذكر بأنها كانت وقتها في مقتبل العمر وبالتالي حال ذلك دون الاستمتاع براتبها إلى جانب تعطل مشروعاتها الشخصية والذي زاد الطين بله اندلاع فتيل الخلافات مع زوجها تحت عنوان جهلها وعدم وعيها وكلنا يعلم بالأمر من المرأة العاملة لابدّ من ربطها بالتزامات مالية بالتعاون مع الزوج، بل إنه أخذ يردد عليها باستمرار اسطوانة حرمانها من مدّ يد العون لها وكان يكرر عليها: اذهبي إلى أخيك وخذي منه ما أخذه منكِ ولا تطلبي ذلك منّي، ما تسبب ذلك في إحداث شقاق وخلاف استمر لمدة عام تقريبا بقيت فيه في بيت والديها إلى أن تفهم الزوج الوضع وحلّت الأزمة ورجعت حينها إلى بيتها الزوجي.
لا أخفيكم سرا، تسمرت في مكاني أستمع فيها إلى القصة الغريبة العجيبة بعدها سمعت منّي سيلا من التوبيخ فقد لمتها أشد لوم وذكرت لها بأن الموضوع ما كان ليصير لوأنك قدرت الوضع فقد كان موقفكِ غير حكيم، بعد ذلك سألتها عن دور الشخصيات المؤثرة في العائلة ودورهم فأجابت: بأن الجميع ضد تصرفه وقد دعوه جميعا إلى أهمية دفع المبلغ بشكل منتظم من دون جدوى ما تسبب أيضا في إحداث شرخ في العائلة، زوجته أيضا بذلت مجهودا كبيرا في سبيل الدفع بهذا الاتجاه ولم تفلح، تقول: فكرت في رفع دعوى ضده ولكن الذي يمنعني أيضا ليس لكونه أخي الكبير فهو لا يستحق منّي هذا الموقف لمواقفه معي، ولكن نقص المادة فالمحامي يريد أتعابه وأنا حاليا وضعي المادي مأزوم، ونفسيتي أيضا تعبانة خصوصا عندما أفكر بأنني أعمل يوميا بمعدل ثماني ساعات أبتعد حينها عن بيتي وأولادي وأرجع منهكة نتيجة ظروف عملي وأنتظر الراتب بفارغ الصبر ولكن لا أجده يفي بالالتزامات المادية المنوطة بي بسبب ما سببته لنفسي من محنة، في النهاية قلت لها: لا تخافي -يا عزيزتي- دعيه يفرح بالمال في حياته الدنيا ولن يفلح أبدا ولن يكون التوفيق حليفه لعدم أمانته ولأكله مال الآخرين بالحرام، ولكنه أين سيفرّ من عذاب الله تعالى، أما أنت فلا يهمكِ، شقاؤك ومحنتكِ في الدنيا والله تعالى يعوضك خيرا بإذن الله، وعليكِ بالصبر والاحتساب وادعي إليه بالهداية والسّداد.
بدأ اللقاء بفرحة عارمة وانتهى بكدر لا يوصف مازلت إلى الآن أشعر بالشفقة والحزن على مآل إليه وضع صديقتي، قررت حينها أن أنشر قضيتها لعلّ مَنْ يقرأها يستفيد من دروسها وحتى لا نتعرّض لما تعرضت إليه أختنا نفسه.
للأسف الشديد وصلنا من شدة الحاجة والعوَز إلى مستنقع لا يمكن الفكاك منه، إلى الحد الذي يغش الأخ أخته ويفقد أمانته، أنجانا الله وإيّاكم.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ