العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ

نازك الملائكة... شاعرة الليل والأحزان والعشق

انتصف الليل... وخلَد الجميع للسبات عدا طفلة يغمرها البؤس لم تزل ساهرة تنشد من حُلكة لياليها ومن بين وديانه شعرا تنوّع بين المدح واللوم، العشق والكراهية، الشوق والهروب. ولكن في كل الحالات تستنطق تلك الأبيات آهات البؤساء وأشواق العاشقين.

تلك هي نازك الملائكة، الشاعرة العراقية التي ولدت في العام 1923 من عائلة أدبية تتمثل في أب أديب تلاقى مع أديبة أخرى، فما من صادق الملائكة وسلمى عبدالرزاق إلا أن أنجبا شاعرة أخرى محمّلة بالأحزان وحب الليل وكراهيته. على رغم أنها عاشت في بيئة مادية جيدة فإنها تلتمس بدقة هموم البؤساء والمحرومين، وتجيد التحدث بعدة لغات كلغة العشق والحرمان إلى جانب لغاتها المتعددة كالانجليزية واليونانية والفرنسية والألمانية. وتعي جيدا ما يعنيه الليل وما يرمي إليه.

ثمة علاقة بين نازك والليل، فكتاباتها لا تخلو من الليل بمختلف العناصر. وتبني منه مشاهدَ عدة غالبا من تستوحي من ظلمته أفكارا لمطارحة الأحزان، التي ألبستها في ديوانها الأول «عاشقة الليل» الصادر في العام 1947. نازك والليل، علاقة عميقة غريبة تحكي عن تجربة ذاتية تارة وتجربة إنسانية تارة أخرى. حتى تأذن للبؤس بالانفجار في قصيدة «الطفلة البائسة»، والحزن بالانتشار في قصيدة «عاشقة الليل». ثم تربط علاقة بين الليل والموت والسقم في قصيدة «الكوليرا»، إلى أن تعرّف عن نفسها وتبيّن خيوط وملامح من سر علاقتها بالليل في قصيدة «أنا»، فتبدأ حوادث الفصل الثاني من سر علاقة نازك بالليل، وهو فيما يتعلق بالحب، وهو أكثر العنصر انجذابا للشعراء، وعلى رغم أن نازك قد تكون أقلهم انجذابا لهذا العنصر إلا أن الحب عامل أساسي في فكرها الأدبي. وتعود في قصيدة «غرباء» لتكشف عن أنها جزء من الليل، فلم تعد بحاجة إلى نور شمعة، على رغم ما ترى في نفسها غريبة وهي بين أحضان الليل. حتى عشقها المخنوق بين أسوار الليل، خاطت له نازك رداء من الحزن في قصيدة «الخيط المشدود في شجرة السرو». وفي مشهد آخر تؤكد نازك أن حياتها انحصرت بين دياجي الليل في قصيدة «صلاة الأشباح»، ولكن هذا الحصر لم يكن إلا ثمرة إبداع وتميز. فالتنوع الفكري في القصائد ولاسيما التي يتفوه بها مصدر واحد يدل على اتساع مخيلة وأحاسيس نازك.

ويبقى أن لكل شاعر مدرسة وميولا، وأن لنازك مدرسة أخرى تتسم بالابتكار والإقناع الوجداني والمنطقي، والامتداد الإنساني، والوضوح وعدم الاضطراب، وميولٍ أجادت ربط الصدق الفني بعناصر التجربة الشعورية في مختلف مدارس الشعر. وهي أول من كتبت شعرا حرا، قبل أن تطّلع وتدرس الأدب الغربي أثناء دراستها آداب اللغة الانجليزية في الولايات المتحدة الأميركية العام 1950.

* كاتب بحريني

العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً