تضيق كل السبل بالفنان، ولا يجد في الموجود من الأساليب والفنون ما يرضيه، حتى يصل إلى طريق بابه مسدود، ويكون هو أول من يفتتحه ويترك بصمات يده عليه، ليصبح هذا الطريق وذلك الباب هو أسلوبه الخاص الذي يرتبط به، ويلتصق اسمه باسمه.
وبعد تجربة امتدت نحو 40 عاما من الاشتغال في مجال الخط العربي، وجد الفنان البحريني محمود الملا أن شظية من شظايا الحرف كافية لنقل الفكرة والرسالة التي يرغب الفنان في الخروج منها عبر اللوحة؛ لذلك قدم خلال معرِضه الأخير «حدائق الوهم» 55 لوحة تمثل شظايا أحرف، حاول من خلالها نقل أفكاره ورسالته.
بتواضع يقول الملا: «لو تمكنت من الوصول إلى مستوى تقديم رسالة، فأنا قد قمت بتقديمها عبر تشظيات الحروف، أي استخدام أجزاء من الحرف وليس الحرف كاملا، ودلالة هذا الأسلوب هي ربطه بحال الأمة العربية المتردية التي نعيشها اليوم، والتي تسير من سيئ إلى أسوأ، وبذلك يمكننا أن نجد حال الأمة العربية متجسدة في المعرِض».
أما سر تسميته معرِضه «حدائق الوهم»، فيجده الملا تيمنا بقصيدة لشاعر عربي مقيم في ألمانيا، بعنوان «حديقة الوهم»، وهو ما قام بتحويله إلى «حدائق الوهم». بيد أن هذه التسمية لم تخلُ من روح الملا، إذ عبّر بالقول: «حينما تدخل الحديقة تجد الورد والشوك والأغصان والتفرعات، كذلك في الأعمال المعروضة، فكل شخص يرى نفسه في العمل، وأستدل بذلك على تفسير أحد الإخوة الأردنيين - حينما أقمت معرِضي هناك - إحدى اللوحات بأنها لفظ الجلالة، على رغم أني لم أكن اقصد كتابة لفظ الجلالة، لذلك أرى أن كل شخص يرى اللوحة من منظوره الخاص، وأنا أقدم العمل الفني والمشاهد يفسره كيفما يشاء». «إن أصبح هذا هو أسلوبي الخاص فالحمد لله، وأنا أتشرف بذلك»، بذلك عبّر الملا عن شعوره تجاه هذه التجربة التي هي الأولى له في هذا المجال، والتي وصفها بأنها طرحت الكثير من الأسئلة، ودلل بالقول: «أقمت معرِضا مصغرا في عمّان احتوى على 26 عملا - على حين قدمت في معرِضي في البحرين 55 عملا - تمثل تجربة جديدة بحكم علاقتي بالحبر الصيني منذ نحو 40 عاما، وكنت أجرب الفكرة، فاكتشفتها بالمصادفة، وكنت أرغب في الاحتفاظ بها لنفسي لولا تشجيع الفنان أحمد العريفي على عرضها في معرِض عام».
النقطة الساطعة كانت القاسم المشترك بين كل أعمال الفنان، وله في استخدامه سره الصغير، الذي عبّر عنه الملا بالقول: «أنا أحب النقطة. تكون دائما جميلة بين الألوان الأخرى، وتعطي شعورا خاصا، ولا يخفى أن النقطة أو الصفر هما من اكتشاف العرب، وهو ما انبنى عليه اختراع الحاسوب والعلوم الأخرى»، وعلّق مازحا بالقول: «نحن من اخترع الصفر، ولكننا لم نتعداه». الحرف وسر قوته بالمقارنة بالكلمة، ذلك هو اللغز المهم، الذي زاده الملا تعقيدا بتوظيف شظية الحرف وليس الحرف كله؛ ما طرح سؤالا عن قدرة الشظية على التعبير عن الفكرة بمقابل الحرف والكلمة، فأجاب الملا عن ذلك أنه «ممكن»، مضيفا «متى ما امتلكت الفكرة وامتلكت ناصية الحرف، فبإشارة من جزء من الحرف، لا كلمة كاملة أو عبر حرف كامل، فبإمكانه أن يعطينا المعنى الكامل، فبعض الحروف يبرز في هيئته على شكل منقار طائر، أو سمكة، فيعطيك خيارات وأبعادا غير متناهية»، وكان للملا ارتباطه الخاص بالخط «الديواني» و «الجلي ديواني» إذ وصف الأخير بأنه «خط مطواع، يمكن تشكيله على أي شكل كالدائرة والمربع والمثمن، ويمكن الكتابة به على شكل خط متعرج، وهو خط انسيابي وفيه رشاقة أكثر من الخطوط الأخرى».
الفنان محمود الملا يرى بحكم ارتباطه بالخط وبصفته محترفا هذه المهنة وعلاقته بالورق والحبر، أن الورق والخلفية البيضاء في اللوحة هما الأفضل؛ لأن البياض «يعطيك مساحاتٍ لا متناهية من الخيالات».
العدد 1742 - الأربعاء 13 يونيو 2007م الموافق 27 جمادى الأولى 1428هـ
اسماء
مشكور