انتهينا إلى تشخيص المسألة من ناحية دينية لدى السنة وهي ارتكان «بعض» علماء ومشايخ دين سنة إلى نظرية «ولي الأمر» والتوسع فيها، وهي نظرية غير متحققة الشرائط في عالم اليوم. كما انتهينا إلى فساد بعض النخب الدينية والبرلمانيين السنة، وقبولهم لعطايا ومنح وشرهات يتم إدخالها إلى حساباتهم خلسة، وذلك نظير المساهمة في تغييب الوعي الشعبي الحقوقي لدى السنة، وبالتالي ضمان عزوف غالبية السنة عن المطالب المشروعة لكل المواطنين.
غياب الرمز والنموذج السني المعارض له أثر واضح على المشهد السياسي في البحرين، وهو ما يبعث إشارات تتحول إلى انطباع سلبي، وهو ما أشار إليه كثرة من الباحثين والحقوقيين بوصف حال السنة بأنهم في دعة من العيش! وإلا فلماذا العزوف عن المطالبات الحقوقية الوطنية، حق في العمل والسكن وتحسين الوضع المعيشي... إلخ؟!
استشراء النفعية الانتهازية بين عدد من علماء ومشايخ الدين السنة يمثل انتكاسة خطيرة للوعي الحقوقي وتغيير لمسار الحراك الاجتماعي الذي كانت تتمتع به الشرائح السنية في فترات تاريخية امتدت مذ ثورة الغواصين 1918، وحركة المجاهد عبدالوهاب الزياني 1923 مرورا بحركة 1938 وتجربة الهيئة 54-1956، وصولا إلى انتفاضة مارس المجيدة 1965 والتي قاد جانبا منها الشيخ الأزهري أحمد المطوع، وانتهاء بسبعينات القرن الماضي.
وقد كانت هناك شذرات لعالم سني هنا وشيخ سني هناك. من ذلك ما جرى في نهاية الثمانينات والتسعينات، والتي كان فيها للشيخان الدكتور عبداللطيف المحمود ونظام يعقوبي صولات وجولات، وقد مثلا بمواقفهما معارضة سنية لسياسات الحكم في تلك الفترة، إلا انه لم يرد لهما الصمود ومواصلة طريق المطالبات الشعبية لكي لا يكون هناك وجه سني معارض يكون نموذجا للأجيال اللاحقة، وأفواج طلبة العلم الشرعي! وتمت تنحيتهما عن منبر الرسول (ص) والضغط عليهما في مصدر رزقهما، وإرسال رسائل شديدة اللهجة إليهما من قبل القسم الخاص (مخابرات أمن الدولة)، كما تم الضغط عليهما اجتماعيا من قبل أفراد «الغونغو» المستترة وجوههم إذ ذاك!
بعد الانفراج السياسي، اجتهد رئيس جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة ووجه دعوة للشيخ عبدالأمير الجمري - رحمه الله - قائمة على مبدأ «نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا الآخر فيما اختلفنا فيه». إلا أن اعتزال الشيخ عيسى للعمل السياسي، طوعا أم كرها، كان مبكرا جدا. واعتقد أن تاريخ «تنحية» الشيخ عيسى عن العمل السياسي هو تاريخ دقيق جدا لبداية طأفنة العمل السياسي في الفترة الراهنة.
أرسى غياب الرمزية الدينية السنية المعارضة قواعد جديدة في المعادلة السياسية في البحرين، إذ قام بعض صغار طلبة العلم الشرعي وبرلمانيون نفعيون انتهازيون بملء هذا الفراغ، زورا وبهتانا، تارة باسم تمثيل السنة، وأخرى بالدفاع عن السنة، ولكن في قبال ماذا؟ في قبال الشيعة! وكأن الشيعة هم من أخل بميزان العدل في توزيع الثروات وحرمهم من السكن الملائم وبقية الحقوق! لم يكن دفاع هؤلاء عن أهل السنة الفقراء والمعدمين كمواطنين لهم حقوق. بل كان استثارة لعواطف دينية، وتأجيج الصدور وإشعال نيران الفتنة في الصدور حد الغليان! حتى باتت شريحة كبيرة من السنة ترفض المطالبات الحقوقية المشروعة للشيعة وللسنة في بلد نفطي، بسبب أن من يطالب بها هم شيعة! وهذه ليست سلبية سنية؛ بل هي «مصيبة» سياسية! وللحديث بقية.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ