يخطئ كثيرا الشيخ محمد صنقور بتقديم الغطاء الشرعي لمشروعٍ لايزال يثير الكثير من الجدل في الأوساط الشعبية، حتى لو تم تمريره نيابيا. فمشروع استقطاع الـ 1 في المئة من الرواتب في القطاعين العام والخاص، ضمن مشروع التأمين ضد التعطّل، عليه الكثير من الملاحظات والإشكالات.
طبعا لسنا ضد أية إجراءات أو سياسات تهدف إلى مد حماية التأمين الاجتماعي على المواطنين، فهي من أهم ما نطالب به في دولة المؤسسات، ولكن «بشرطها وشروطها»، وأهم هذه الشروط أن يشمل الجميع دون استثناء، بمن فيهم الوزراء والنواب.
مشكلة العاطلين عن العمل تدخل في صلب بنية الاقتصاد المعاصر، والتعامل معها على أنها «مأساة إنسانية» تستدعي العطف والإحسان، يبعدنا عن جوهر المشكلة، فهذا الطرح الأخلاقي يخرجنا من عالم الاقتصاد إلى منابر الوعظ الديني. وترجيح أطروحة «التكافل الاجتماعي» على لغة «الحقوق الدستورية» للمواطنين، انحرافٌ واضحٌ بالقضية عن سياقها الأصلي، وستكون له انعكاساته الواضحة حتى على نفسيات العاطلين. فليس هناك من هو مستعدٌ نفسيا لتلقي راتب من 150 دينارا، يعلم مسبقا أنه مقتطعٌ من رواتب 150 شخصا من الفقراء الذين سيموّلون أساسا صندوق التعطل؛ لأن الوزراء والنواب والعسكريين مرفوع عنهم المشاركة في هذا «الإحسان» والتعطفات.
ما نُشر حتى الآن من إشاراتٍ متضاربةٍ بشأن الاستقطاع، تجعلنا نعامل تصريح الشيخ صنقور على أنه رأيٌ شخصي، وليس موقفا للمجلس العلمائي، فموقف الشيخ عيسى قاسم كان واضحا في اعتباره «مزعجا للعمّال والموظفين من ذوي الرتب الدنيا»، خصوصا مع تزامنه مع موجة ارتفاع حاد في أسعار السلع بلغ 30 في المئة. بل ذهب رئيس المجلس إلى دعوة الحكومة إلى «تحمّل مسئولية الضمان الاجتماعي الكافي للمتعطلين والمتقاعدين، من دون أن تزاحم ذوي الدخل المحدود في لقمة عيشهم»، وهي رؤيةٌ سياسيةٌ واقعية تماما.
من هنا، فإن موقف الشيخ صنقور يحتاج إلى المساءلة، فخلال اليومين الماضيين قرأنا له تصريحين متناقضين، ولم يرتقِ أيٌّ منهما إلى درجة الإقناع. فالتصريح الأوّل الذي اقترح اعتبار الاستقطاع «هبة»، يذكّرنا بالتخريجات الفقهية الضعيفة التي يتم اللجوء إليها عندما تستشكل بعض الأمور. ومن الواضح أن هذه «التخريجة» ليست فتوى حتى يلتزم بها الجمهور، وليست «حيلة شرعية» حتى تُخرجنا من إشكال، وإنما تأتي كتبريرٍ لتصويت الوفاق على المشروع في آخر جلسات المجلس، وهي الجلسة التي علّقت عليها الصحافة المحلية بأنها شهدت تمرير عددٍ من المراسيم بالجملة، ومن ضمنها «الاستقطاع». وواضحٌ أن الشيخ كان مهموما بتفهّم الجمهور لموقف الوفاق، أكثر من اهتمامه بمناقشة الوضع الاقتصادي وآلياته التي تولّد المزيد من الأخطاء والأزمات وتزيد حياة الجمهور عسرا وتضييقا.
ثم ما هو الضمان لأن تكون «الهبة مؤقتة» وليست استقطاعا دائما يتحمله الجمهور طوال الحياة؟ وكيف يصوّت النواب - كلّ النواب- على تمرير مرسومٍ يستثنيهم من الالتزام بفضيلة «التكافل الاجتماعي»؟ ولماذا لم يطالبوا بأن ينضوي الوزراء والعسكريون في سلك هذه الفضيلة تأكيدا لمبدأ «المساواة بين الناس»؟ وإذا كان نواب الوفاق وغير الوفاق مرّروا المشروع، فمن يضمن دفع ضرر تطبيقه على الجمهور الذي سيدفع الـ %1 طوعا أو كرها؟
مشكلة البطالة ستبقى معنا طويلا، كالبثرة المتقرحة في ظهر الوطن، وستتسع سوق البطالة مع دخول فئاتٍ جديدةٍ لم يكن يعاني أبناؤها من البطالة بتلك الحدة، مع بدء شجرة «التجنيس» في إعطاء ثمارها المرّة قريبا، وهو وضعٌ مقلقٌ جدا، يحتاج إلى إصلاح جذري لسوق العمل وتطويرٍ جادٍ للتعليم، ولن تجدي معه الحلول الترقيعية و«الحيل الشرعية»، على طريقة الدعوة للتكافل الاجتماعي التي يستثنى منها الحيتان والجراجير والهوامير... وتُطبّق على «العُوم»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ