أصبح الجهاز الأمني البحريني يفرط في استخدام القوة في تفريق المسيرات والاعتصمات وحتى الندوات السلمية، في اعتقاد منه ربما، أنه إنما يحفظ النظام والسلامة ويحمي الأرواح والممتلكات العامة... وهو بلا شك يشتغل وفق إطار مفاهيمي يمتلك تعريفا خاصا بالقوة ووفق إطار تشغيلي يمتلك آليات وإجراءات معينة ومحددة لاستخدام القوة...
الناس في البحرين منذ ندوة النويدرات يتحدثون باستنكار وببداهة عن ما تسميه أدبيات حقوق الإنسان مبدأي الضرورة والتناسبية... بمعنى هل كان الأمر يستدعي حقا كل تلك الطلقات المطاطية والكم الهائل من مسيلات الدموع الخانقة، هل كان هناك فعلا خطر محدق بالناس والمحيط يستوجب فرط استخدام القوة وعنف الأمن بطريقته الخاصة لتفريق المجتمعين... وما زلنا حتى اللحظة نسمع ونقرأ وربما سنستمر نسمع ونقرأ، عن انتهاكات الجهاز الأمني لحريات المواطنين وحقوقهم الأساسية، طالما يعتمد الأخير مرجعيته في قانون التجمعات رقم (32) لسنة 2006 السيئ الصيت، المعروف باسم تعديل مرسوم القانون رقم 18 للعام 1973 بشأن الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات... هذه التعديلات التي ترجعنا إلى أيام أمن الدولة وممارسات وانتهاكات محكمة وسجون أمن الدولة في تغول فاضح واستنفار لجهاز الأمن العام تتضح يوما بعد يوم بذريعة الالتزام بالقانون.
وأعتقد أننا كنشطاء في المجتمع المدني يشاع في المحافل حولنا أننا نعيش مرحلة تحول أو انتقال ديمقراطي، علينا مسئولية التعبير عن آرائنا عن سمات ذلك التحول الديمقراطي كما يريد الناس أو حتى نكون محايدين كما تريد وتبتغي المعايير والمبادئ الدولية، خصوصا فيما يتعلق بالسلوك القانوني والأخلاقي لرجال الأمن. فهناك بشكل محدد ومسهب مصادر ونظم ومعايير خاصة بحقوق الإنسان عند إنفاذ القوانين اتفقت عليها دوليا الهيئات داخل وخارج منظومة الأمم المتحدة بغرض كفالة احترام حقوق الإنسان وكرامته وحريته، واستبدال قانون التجمعات البحريني السيئ بتلك النظم والمعايير والمبادئ هي ملاذنا نحو السلم الاجتماعي المرتجى.
صكوك حقوق الإنسان الدولية ذات الصلة بإنفاذ القوانين
بالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، هناك مدونة لقواعد سلوك الموظفين بإنفاذ القوانين، وهناك المبادئ الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين، وهناك إعلان المبادئ الأساسية للعدالة فيما يتعلق بضحايا الجريمة وسوء استخدام السلطة، وهناك غيرها من إعلانات ومبادئ أخرى.
الضرورة والتناسبية... مبدآن أساسيان
عند استخدام القوة والأسلحة النارية
تتحدث المعايير الدولية عن حكم مبدأي الضرورة والتناسبية لاستخدام القوة من جانب الشرطة في كل الأحوال. بمعنى «عدم استخدام القوة من جانب الشرطة إلا في حالات الضرورة القصوى بغرض إنفاذ القوانين وحفظ النظام العام، وأن يكون استخدام القوة تناسبيا، أي لا يجوز استخدام القوة إلا في الحدود اللازمة لتحقيق غايات مشروعة تتعلق بإنفاذ القوانين وحفظ النظام العام»، وإذا ما حاولنا القياس على حدث ندوة النويدرات وغيرها من تجمعات وفعاليات سلمية، نجد أن الممارسات من قبل رجال الأمن بعيدة تماما عن هذه المبادئ، بل في انتهاك صارخ لها، فالمجتمعون يدركون مشاركة فئات واسعة من المجتمع في تلك الفعاليات ومن بينهم النساء والأطفال والمسنون والمرضى، فلا يبدأون بالأعمال المهددة ويكون النظام العام محفوظا ضمن توجيهات المنظمين أنفسهم... ولكن يبدو أن تقديرات رجال الأمن ومسئوليهم تختلف.
المبادئ الأساسية الأخرى
في استخدام القوة والأسلحة النارية
هذه المبادئ اعتمدت في مؤتمر الأمم المتحدة الثامن الذي عقد في العام 1990، ومع مراعاتها طابع الخطورة التي يتسم بها إنفاذ القانون من طرف الموظفين وما يستتبع ذلك من تهديد لحياتهم ولأمن المجتمع، فإنها في الوقت نفسه تفرض قيودا صارمة على استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الشرطة، وكيف ومتى تستخدم، والإجراءات الواجب اتخاذها بعد الاستخدام وأهمها المساءلة عن إساءة الاستخدام.
المبادئ الأساسية الأخرى هي «يجب استخدام وسائل غير عنيفة قبل اللجوء إلى استخدام القوة» و»لا يجوز التذرع بأي ظروف استثنائية لتبرير الاستخدام غير المشروع للقوة» و»يجب ممارسة ضبط النفس في استخدام القوة» و»يجب تقليل الأضرار أو الإصابات إلى الحد الأدنى» و»لا بد من إتاحة مجموعة من وسائل الاستخدام المتمايز للقوة» و»يجب تدريب جميع الضباط على مختلف وسائل الاستخدام المتمايز للقوة» و»يجب تدريب جميع الضباط على استعمال الوسائل غير العنيفة».
لا تذرع بالحجج القانونية لتجاهل المعايير والمبادئ
ربما تتذرع الحكومة بأنها تلتزم فقط بما توقع عليه من معاهدات، إلا أن الهيئات داخل منظومة الأمم المتحدة لا تقبل هذا التبرير لاعتبارات ثلاثة... أولها أن المعايير والمبادئ غير التعاهدية موجودة بشكل مشترك في النظم والثقافات القانونية الكبرى وبصياغة دولية عامة باركت الأسس الأخلاقية التي تستند عليها تلك المعايير والمبادئ وبالتالي فهي مقنعة بلا شك. ثانيها أن المعاهدات المكتوبة ليست المصدر الوحيد للقواعد الملزمة، ففقهاء القانون يعتبرون مجموعات المبادئ وما إليها جزءا من القانون الدولي العرفي المعترف به في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وبالتالي يكون ملزما للدول إيمانا بعدالتها حتى لو لم تتوفر أحكام تعاهدية مكتوبة ومحددة.
أما ثالث أسباب رفض تهرب الدول من تطبيق المبادئ فتفسره هيئات الأمم المتحدة بأنه نظرا إلى أن المعايير الدولية تخضع لتفسيرات معيارية محلية عند التطبيق، وربما سلبية وضيقة، فإن الحاجة تكون ملحة للمبادئ والقواعد الدنيا لتوفير ما يسمى المجموعة القانونية التكميلية على المستوى الوطني...
ولعل محاولات وجهود المفوضية السامية لحقوق الإنسان في التدريب على حقوق الإنسان على المستويين المفاهيمي والعملي التشغيلي من أجل توضيح المفاهيم والسلوكيات المرغوبة في المجتمعات الديمقراطية، هي المتطلب الأكثر احتياجا من الموظفين في الجهاز الأمني في البحرين المكلفين بإنفاذ القوانين... فالمفوضية تسعى لنشر مواد خاصة بحقوق الإنسان وإنفاذ القانون مع هؤلاء الموظفين وترى أنهم ملزمون بمعرفة وتطبيق المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان باعتبارها قواعد دنيا لاستخدام القوة والأسلحة النارية دونما اعتبار للنظام القانوني المحلي. ولا تغفل تلك المبادئ والمعايير الدولية أهمية حفظ النظام، بل هي وضعت في محاولة للتوفيق الدقيق بين متطلبات حفظ النظام العام وحماية حقوق الإنسان والسلامة العامة والسلامة الخاصة لموظفي رجال الشرطة... وهذا سيكون محور حديثنا في المقال المقبل.
إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"العدد 1741 - الثلثاء 12 يونيو 2007م الموافق 26 جمادى الأولى 1428هـ