العدد 1740 - الإثنين 11 يونيو 2007م الموافق 25 جمادى الأولى 1428هـ

مدارات «الأحوال الشخصية»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

على رغم الاهتمام المتنامي لإصدار قانون أحكام الأسرة، فضلا عن الجهود المبذولة التي لا يبُخس حقها، الرسمي منها والأهلي، ومهما تكن طبيعة الحملات الإعلامية المتزايدة وتنوعها، ثمة حقيقة لا يمكن القفز فوقها وتجاوز أطرها وحدودها، حقيقة يمكن اختصارها في أن المطالبة بتقنين الأحوال الشخصية قد تعرضت لعملية تسطيح وتسييس في آن؟ كيف ولماذا؟ ذلك ما سترد عليه الفقرات الآتية.

قناعات ثلاثية

منذ المسيرة النسائية التاريخية الحاشدة بالآلاف في 9/11/2005 والتي انطلقت تلبية لنداء المجلس العلمائي، ولمساندة معارضة أغلبية علماء الدين الشيعة لسن قانون للأحكام الأسرية، سادت في الأجواء ثلاث قناعات:

أوّلها: وجود طرف ديني من المذهب الجعفري يمانع ويعرقل إصدار قانون للأحوال الشخصية، تحت ذريعة يراها الطرف الرسمي وآخرون بأنها متشددة، في مطالبتها لآلية وضمانة دستورية تمنح علماء الدين حقّ التصرف بالقانون وفق ما يرونه مناسبا، وليس وفق إرادة السلطة التشريعية، في سياق هذه القناعة وعلى نقيضها في الإطار العام أيضا، يبرز طرف المذهب السني وكأنه يجمع على الموافقة بإصدار القانون، بذلك يرى المراقب للمشهد العام، طرفان أحدهما معارض، مشاكس، يمانع إصدار القانون، والآخر، مرن وموافق على الإصدار.

أما القناعة الثانية: فتتمحور حول أن الطرف الرسمي، يسعى بصدق ويدعم بقوة إصدار القانون. مؤشر ذلك يتمثل في مبادرته لتشكيل لجان من علماء الدين من المذهبين ومن القانونيين المختصين بهدف تقريب وجهات النظر والتوافق على الحد الأدنى لمسودة بنود القانون، بالإضافة لتنفيذه سلسلة من الحملات الإعلامية والتوعوية. والمحصلة، أن الطرف الرسمي أبرى ذمته المحلية تجاه مطالبات و»حنة وطحنة» النسوة الشاكيات والمتذمرات والعالقة قضاياهنّ في المحاكم من جهة، كما إنه أوفى بالتزاماته الدولية من جهة أخرى، لذا لا مسئولية يتحملها بسبب تأخر صدور القانون إلى الآن.

بالنسبة للقناعة الثالثة وبحسب المعطيات، توضح أن الطرف الأهلي المعنيّ بالمطالبة لإصدار القانون، وهو المتمثل في الجمعيات واللجان النسائية اللادينية ومعها الاتحاد النسائي البحريني، يعمل بجد ومثابرة وقناعة راسخة على عملية التقنين مستخدما الوسائل والأدوات المتاحة التي يأتي على قمتها تطبيق مفهوم «الشراكة المجتمعية» عند تنفيذه برنامج التحرّك، وممارسة حسن النوايا وتخفيض سقف المطالبة إلى الحدود الدنيا تجنبا للتصادم مع التيار الديني المعارض، واتباع السلوك الإيجابي في شكل ومضمون خطاب المطالبة، والتفاعل مع برامج ومواقف الطرف الرسمي والدولي الساعية لإقناع الممانعين لعملية إصدار القانون.

وعليه، هل تعبر هذه القناعات عن حقيقة الأمر؟ ربما في وجه من الوجوه التي ينُظر إليها في العلن، بل يمكن تأكيد الإجابة ثانية «بنعم هذه هي حقيقة الأمر»! بيد أن الجزء الآخر من تلك الوجوه يحمل أبعادا غير ذلك، هي أبعاد متباينة ومتشابكة يعكسها المنطق والوقائع والسلوكيات والقناعات التي تتجاوز في فعلها أطر الأمنيات والإدعاءات.

تسطيح وتسييس

من الإطار العام، ثبت وجود تسطيح في التعاطي مع القانون، ذلك أما بسبب تكرار تشكيل لجان إعداد القانون وإعادة إنتاجها وما أفرزته من مسودات اختلف عليها المتحاورون من المذهبين، وحتى في وسط المذهب الواحد. دلالة ذلك صدرت على لسان الشيخ ناجي العربي في الحلقة الحوارية التي عقدت في 26/5/2007 والتي أشار فيها إلى ضرورة الضمانة الدستورية وذكر قائلا: «على رغم أننا نثمّن جهود اللجنة التي وضعت القانون بمذهبه السني، فإننا نسأل: لماذا تم استبعاد كل قضاة المالكية منها، وما الضرر في عرض ما كتبته اللجنة على غيرها من العلماء للبتّ فيه والنقاش؟»، كما طغت مسألة إجرائية تعيين أعضاء وعضوات اللجان كشأن جوهري وشكلت الشغل الشاغل للجدل بشأن القانون، عوضا عن البحث لمخارج تسهل إصداره، الذي يمثل القضية الأساس المستوجب التداول في أمرها.

من مظاهر التسطيح، اختصار بعض المشرعين لأصل الإشكالية على أنها تتمثل في انعدام وجود معلومات متاحة إعلاميا للممانعين والمعارضين، تطلعهم على أوضاع الأسرة البحرينية وما تعاني منه من تفكك وتصدّع، وبالتالي فإن تجاوز هذا النقص والخلل بحسب اعتقادهم سيؤدي إلى تغير موقف الممانعين المتصلبين في مواقفهم من المذهبين بشأن الضمانات الدستورية، وسيعجل من إصدار القانون. التسطيح، يبرز أيضا عبر النداءات البريئة الداعية إلى فتح حوار مجتمعي هادئ ورزين وعقلاني من دون ضغط أو إصرار، على اعتبار أن هذا الأسلوب يمثل استراتيجية صائبة قد تحقق المراد، فضلا عن ضرورة وجود حاجة «لإشراك جميع الأطراف»، ودعوة الناشطات في التيار الديني للمشاركة في الحوارات، وكأن الممانعة والمعارضة سببها عدم توجيه دعوة لها للمشاركة وتبادل الرأي والحوار، في الوقت الذي يعلم الجميع، أن لمعارضة التقنين موقفا ورأيا واضحا وصريحا تم التعبير عنه، وهو يتراوح ويتمازج بين الموقف السياسي والعقائدي والإيديولوجي تجاه هذا الملف الشائك. بالإمكان قراءة ذلك من تأكيد الشيخ عيسى قاسم في أحد خطب الجمعة: «إن للشعب ملفاته المهمّة المعطلة والمهملة والمغيّبة والمحارَبة، وهي: الملف الدستوري، التجنيس، التمييز، البطالة، الفساد المالي والإداري، مسألة التقرير المثير»... منوها إلى أن «الشعب لن يشغله الأحوال الشخصية عن هذه الملفات، وإن كان يهم الحكومة وفريق يشاركها الرأي التسريع بملف الأحوال الشخصية، فإن غالبية الشعب لتهمها ملفات كثيرة بالغة الأهمية وهي مطروحة على لسان الشعب دائما وفي الساحة»، صحيفة «الوسط»، 5مايو/ ايار 2007 العدد: 1702.

إذا الجانب المعارِض والممانع لإصدار قانون للأحوال الشخصية من المذهبين، يسييس الموضوع ويخضعه منطقا ويربطه قسرا ببقية ملفات وإشكاليات مجتمعية وسياسية أخرى ساخنة وعالقة، مما يستوجب توجيه السؤال للطرف الرسمي عن رأيه إزاء كل الإشكاليات في تشابكها وتداخلها وليس كما يتم الرد عليه بشرطية الضمانة الدستورية فقط والتي بحد ذاتها تمثل إشكالية جوهرية مستعصية. بالمثل يتطلب الأمر إجابة من الاتحاد النسائي البحريني، بمعنى أين يجد الاتحاد موقع ملف الأحوال الشخصية من بين الملفات الوطنية الأخرى، ولاسيما إنه يدرك حاجته إلى قاعدة عريضة وقوية من التحالفات تتأسس على القناعات والمصالح المشتركة كما حدث في تجربة المدوّنة المغربية التي تداخلت فيها السياسة مع الاجتماع بعمق ووعي شديد إذ تحالفت فيها الحركة النسائية مع الأحزاب السياسية!

ازدواجية الموقف

يدّعي الجانب الرسمي سعيه الحثيث لإصدار القانون، وحتى لا يقال إن سبب هذا السعي قد جاء بهدف تلميع الصورة الرسمية كما يحلو لبعض المراقبين، فالراصد يمكنه ملاحظة أن الجانب الرسمي هو الآخر يسيّس، سواء اعترف بذلك أم لا، ذلك يتم عبر تجاهله للمعارضة والممانعة أحيانا وعدم خوض التفاوض المباشر معها، فضلا عن اختياره لتوقيت طرح موضوع الأحوال الشخصية وإشعال فتيله أو إخماده من آن إلى آخر بحسب وقع تقلبات الواقع السياسي المحلي وتفاعل عناصره، بالإضافة لذلك ما أشرنا إليه بشأن لجان صياغة مسودة القانون وتعددها، إذ اختلط على المراقب، ماهية الفروقات الجوهرية بين هذه وتلك، ولاسيما إن بعضها -أي المسودات- تحتاج إلى ملاحق وشروحات للمطلع غير المتخصص في شئون القانون والشرع، ما يحدث اضطرابا وإرباكا لا يساعد في تشكيل رأي متقارب.

في حقيقة الأمر، الخطاب الرسمي، لا يتطرّق أو يوضح أثناء حملاته الإعلامية والتوعوية، آلية إقرار القانون، بل يترك ذلك الشأن لغزا ؛ليتم اكتشافه، فكما هو مدرك للمعنيين وذوي الخبرة في شئون التشريع، أن آلية التقنين بحاجة إلى بلورة إجماع مجتمعي ينعكس في موقف متقارب وتحالفات في إطار السلطة التشريعية لكي تستقيم العملية الإجرائية لإقرار القانون، ما يجعل الحديث في تفاصيل الفروقات المذهبية والمتاهات الخلافية الشكليّة والمفاهيمية مجرد عبثا فارغا، لن يؤدي إلى نتيجة في ظل التجاذبات السياسية، وخصوصا أن كل طرف يعي ويدرك حق الوعي والإدراك حقيقة موقفه ومعارضته وتلكؤه ومسئوليته في تأخر صدور القانون إلى الآن، ومن سخرية الأقدار ارتفاع بعض الأصوات الرسمية التي أعلنت «أن الأحوال الشخصية قد تم تسييسه»، ومن ثم لاذت بالصمت، من دون الخوض في البحث عن مسئوليتها في هذا التسييس والأسباب! المفارقة من ناحية متصلة تتمظهر عبر ازدواجية مواقف رجالات الدين الذي ينادي بعضهم بتطبيق الواقعية والعقلانية وسن قانونين عوضا عن قانون موحّد، وهم يعون أن هذا بحد ذاته يمثل نقطة خلافية، كما أن بعضهم يعطيك من طرف اللسان حلاوة مؤكدا أنه مع إصدار القانون وإن تسنى لك الإطلاع على جوهر رؤيته وتفاصيلها من حيث المضمون فستكتشف بأن له موقفا ورأيا مناقضا لما يدّعي، وبعضهم على أهبة الاستعداد لتغيير موقفه حالما يتغيّر الموقف الرسمي وتوقيته بشأن إصدار القانون.

هذا الواقع المتشابك صار ظاهرا للعيان، ويثير التساؤلات بشأن مدى جدوى حوار الطرشان، خصوصا في ظل مقاطعة كلية وشاملة ومحكمة من طرف أساسي يستوجب حضوره وتبادل الرأي معه، وهو يتكون من رجالات الدين الممانعين والمعارضين والجمعيات النسائية الدينية بكل تلاوينها، كما يثير التساؤل عن مدى فعالية وجدوى الاستراتيجية التي يعمل بها الاتحاد النسائي البحريني والكيفية التي سيتحقق بها الإجماع اللازم لتحريك آلية الإقرار، في الوقت الذي يتجنب فيه - أي الاتحاد - الخوض في الملفات التي أشار إليها الشيخ عيسى قاسم في خطبته، وتمثل شرطية أساسية وأولوية، ونقصد طبعا، ملفات الدستور والتجنيس والتمييز والفساد والفقر والبطالة... الخ القائمة المفتوحة على كل احتمالات وقع الحراك السياسي في البلاد!

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1740 - الإثنين 11 يونيو 2007م الموافق 25 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً