العدد 1740 - الإثنين 11 يونيو 2007م الموافق 25 جمادى الأولى 1428هـ

طنين «ذباب» العراق

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

هذه الفترة التي قضيناها جميعا نتفرج على حرب نهر البارد في شمال لبنان من خلال أجهزة التلفاز، هي جزء من الحرب العربية الباردة التي يمكن أن تسخن في أي وقت كما سخنت في نهر البارد، إنها فقط رأس جبل الثلج المطل بعد أن يصبح لدينا على نطاق واسع تعبير (العائدون من العراق) على غرار تعبير العائدون من البوسنة أو العائدون من أفغانستان، فطنين ذباب العراق، أو المستفيدين منه سيرتفع تدريجيا في المنطقة ليعيث فسادا مااستطاع، وعلى قدر ما يتوفر له من ساحات.

الأمور فقط تحتاج إلى إنضاج حتى تعلق الحرب الباردة العربية في أماكن أخرى من هذه المنطقة المعذبة. نضجت في لبنان لأمر معروف، فبعض أقطاب السياسة في لبنان ومن منهم يملك وسائل إعلام مؤثرة في زبائنه المشدودين بحبل سري لمقولاته من دون تفكير أو نقاش، يشير ليلا نهارا إلى أن الحكومة اللبنانية القائمة هي (الحكومة الفاقدة للشرعية) فإن كانت فاقدة للشرعية، فمن الطبيعي أن يخرج عليها الخارجون متى ما أرادوا وبالطريقة التي يشتهونها.

الفلسطيني التائه هو وقود هذا الخروج وليس جديدا على بعض الأخوة الفلسطينيين أن يكونوا وقودا للحرب العربية أو الدولية الباردة، وخصوصا عندما تنقلب إلى ساخنة. علينا أن نتذكر أن الفكر والقيادة لما يعرف اليوم بالقاعدة كان مؤسسها في الزمن الذي مضى فلسطيني تائه رحمه الله هو عبد الله عزام الذي راح ضحية لما نادى به، وإن بعد زمن. إلا انه كظاهرة يعبر عن هذا التيه الفلسطيني الذي يرى وهما أن الطريق إلى فلسطين هو حرب ضروس في أفغانستان، كما يرى اليوم (شاكر العبسي) أن قتل الجنود اللبنانيين في نهر البارد يقرب من تحرير فلسطين!

الشقاق الفلسطيني في تاريخه الطويل كثيرا ما يستخدم لتحقيق أهداف مرحلية لهذا النظام العربي أو ذاك، يستخدم أولا إعلاميا ثم يتحول إلى استخدام أشكال العنف، أكان عنفا لفظيا أو إرهابيا أو عنفا منطلقا من عقاله. علينا أن نتذكر أيضا أبو نضال الذي كان (بندقية للإيجار) تائها بين ليبيا و العراق، ثم قتل في آخر محطة في بغداد، لأنه لم يعد نافعا بل أصبح ضارا إن بقي حيا. وهكذا هم شخصيات قيادية فلسطينية ، كانت أو مازالت تخرج على الأرض العربية من خلال معاناة هذا الفلسطيني التائه، وفي كل مرة توجه البندقية (المؤجرة) بمعرفة أو بغير معرفة إلى صدور من يريد أن يحمي القضية بحق من دون مزايدة أو صراخ في الميكرفونات وتبتعد أكثر وأكثر عن الهدف الحقيقي.

هل الفلسطينيون في هذه الحروب شياطين أم هم ضحايا ؟ لا أحد يستطيع أن يقرر نهائيا تكييف وضعهم لقد طال بهم الانتظار؟

لعل لبنان أحد أهم مناطق التناقض الفج في النظر ومعالجة القضية الفلسطينية التي تجر ذيولها منذ نيف وخمسين عاما وإن لم يكن الوحيد. كيف ذلك؟

لنقرأ هذه المعادلة، هناك من اللبنانيين من يريد (تحرير فلسطين) ويحتفظ بسلاح ضخم من أجل تلك الغاية، وله قوة على الأرض، ولكن هذا (التحرير) لا ينتبه إلى الحال المزرية للفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية، فهم بلا (هوية) ولا عمل مسموح ولا وثائق سفر ولا تعليم أو تطبيب معترف به. فالنضال من أجل فلسطين لدى هؤلاء هو (تحرير أرض) ولا الانتباه (لتحرير إنسان) قبل الأرض فينقلب هذا الإنسان إلى تائه في أرض مفتوحة يستقبل برضا كل تجنيد جاهز يغريه بالخروج والقتال. التناقض الآخر أن من يرفع صوته لتحرير فلسطين لبنانيا أو غير لبناني يقول بالصوت نفسه أن (لا توطين) فليظل الحال على ما هو في مناطق الفلسطينيين. لقد ارتحل بعض أهل فلسطين إلى الخليج فلم يوضعوا في (مخيمات) كما أن وضعهم في الأردن لم يحتم عليهم الحرمان من أي حقوق إنسانية، بل تعاملوا معهم معاملة شبه وطنية، في سورية لم يسمح للفلسطينيين إلا بالتأييد أما حمل السلاح فهو محرم. لبنان هو الاستثناء، ربما لأن الدولة اللبنانية كانت دائما ضعيفة فهي خائفة من جهة من أن يسبح الفلسطينيون في نسيجها، وفي الوقت نفسه قابلة أن يبقى بعضها حاملا سلاحا والحجة فلسطين. أليست هذه المعادلة صعبة ومعقدة. يزيدها تعقيدا فلول المحاربين العرب الذين يندفعوا إلى بؤر الصراع والفراغ ممارسين هوايتهم في التدمير الأعمى.

ما يجري في نهر البارد هو ليس من أجل فلسطين لنحترم عقولنا، ما يجري هو صراع يخاض على أرض لبنان من أجل أهداف أخرى يمكن لبعضنا أن يتوقعها وربما بعضها خاف عن النظر إلى الآن. إلا أن الحقيقة الباقية في هذا الجو السياسي السائل واللزج أن بعض من تدرب على القتال وهم آلاف من العرب من كل بلد تقريبا سينقلون سلاحهم من كتف إلى كتف، عندما تتهيأ الظروف، كما حدث أكثر من مرة في ربع القرن الماضي. المعضلة أن يعتقد البعض اليوم خطأ من الذين يستخدمون هذه المجموعات أنهم بمنئ عن الاستهداف المستقبلي. لقد اعتقدت بعض الدول أنها كذلك ولكن الحقائق أثبتت عكس ذلك، إنك تستطيع أن تستعين بالشيطان إلا أنك لا تستطيع أن تتجنب شروره، فطنين ذباب العراق قد يتصاعد ليصبح دويا.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1740 - الإثنين 11 يونيو 2007م الموافق 25 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً