استتباب الأمن واستدامة الوضع مستقرا لا يتحصّل إلا بعدالة القانون وسيادته من خلال تطبيقه من دون تمييز، وهما سمتان من أهم سمات الحكم الصالح. فالتطبيق العادل للقانون ومن دون تمييز هو الأهم بعد عدالة القانون ذاته، وما ينقص البشر وخصوصا دول العالم النامية في غالبية الأحيان ليس القانون العادل أو الجيّد، فما أجمل النصوص الدستورية لهذه البلدان، وما أكثر القوانين المنصفة، ولكن المصيبة تأتي في نطاق التطبيق أي العدل الاجتماعي. ويرى المفكر الشهيد مرتضى المطهري، أن «أكثر الآيات الواردة فيها ذكر العدل ترتبط بالعدل الاجتماعي».
المواطن الذي بنى جدار العزل العام 2005 في بحر المالكية والذي حاليا نصب مصائده وسدّ البحر وقطع أرزاق العباد، قد يعتبر نموذجا عمليا للتمييز في تطبيق القانون إذا لم تعجّل الجهات المسئولة بالقيام بواجباتها حيال هذه المصائد (الحظور).
مسئول كبير في البلدية زعم أنهم غير قادرين على نزع هذه المصائد من دون إذن قضائي، ولكن هل سيقول هذا المسئول الكلام نفسه لو كان أحدٌ من عموم الشعب من نصب هذه المصائد وأوقع الناس في مثل هذا الأذى؟
الأهالي تجمهروا معتصمين احتجاجا على قطع أرزاقهم، فتصدت لهم قوات مكافحة الشغب تحت دعوى تطبيق القانون الذي يمنع الإعتصامات غير المرخّصة، فالداخلية تطبق القانون بغض النظر عن مكان التجمع، حتى لو كانت تلك القرية النائية عن المناطق الحيوية، وبمحاذاة ساحل البحر وليس في وسط المنطقة الدبلوماسية أو منطقة حيوية يُخشى فيها من الاعتصامات غير المنظمة على الأملاك العامة والخاصة. ولكن إذا علمت الداخلية أن هذا الاعتصام غير مرخّص، فقد علمت أيضا الجهات المسئولة الأخرى أن هذه المصائد غير مرخّصة، فكيف ينتظر الناس حتى يصدر أمرا قضائيا بنزعها مع انها تعتبر تعديا على الملك العام وفيها اعتداء على حقوق الآخرين وخسارة أرزاقهم مدة طويلة إلى أن يصدر القضاء حكمه؟ ثم لماذا لا يتم تحريك الإدعاء العام في مثل هذه القضية العامة؟ ومن المؤسف تنظيم اعتصام قانوني (ضع خطّا تحت كلمة قانوني) كما نقلت «الوسط» بتاريخ 6يونيو / حزيران2007 احتجاجا على ماذا؟ على عدم تطبيق القانون في حق هذه المصائد.
الحكومة لها سلطة تشبه سلطة المحتسب في التاريخ الإسلامي، فهو يراقب الأسواق وغيرها، وينفذ حكم القانون البيّن الذي لا خلاف عليه والذي تم تخويله به على موقع الحدث لمنع إضرار الناس بعضهم بعضا، فمثلا كان بعض الخلفاء يقومون بأنفسهم بهذه المهمة، فقد روى أبوحذيفة النعمان بن ثابت في كتابه دعائم الإسلام، أن الإمام علي بن أبي طلب (ع) «كان يمشي في الأسواق، وبيده درّة يضرب بها من وجد من مطفف أو غاشّ في تجارة المسلمين...». أما القضاء فهو يفصل في المنازعات والخصومات التي تحتمل التأخير.
في العام 2005 لم يتم هدم الجدار الذي أقامه هذا المواطن إلا بعد تدخل ملك البلاد شخصيا، وفي هذه المرة أيضا بدأت المناشدات لملك البلاد في التدخل لنزع المصائد (الحظور). الملك أكّد في أكثر من مناسبة أن لا أحد فوق القانون، ولكن تدخّل الملك في كل مرة دليل على أحد أمرين لا غير، إما أن الآليات لتنفيذ القانون بشكل تلقائي قاصرة عن الاستجابة لمثل هذه الحالات، أو أن المسئولين الرسميين يتسم تنفيذهم للقانون بالتمييز بين المواطنين أو ربما غير قادرين على تنفيذ القانون بحق كل مواطن، فالقانون سائد ومطبق على أناس دون آخرين.
إن سيادة القانون يقود لاستتباب الأمن، والتمييز في تطبيق القانون هو السبب الأكبر لاضطراب الأوضاع وفساد أحوال الأمم، ولهذا حذّر الرسول (ص) في روايات كثيرة له من ذلك، فمما قاله:«إنما هلك من كان قبلكم أنهم يقيمون الحد على الوضيع ويتركون الشريف»، وإذا كانت السلطة عاجزة عن حماية أرزاق المواطنين من مواطن قادت مصائده لحدوث مواجهات واضطرابات في قرية المالكية، فكيف يمكن أن تطمئن المستثمرين من أنها قادرة على حماية مكتسباتهم مستقبلا؟
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1738 - السبت 09 يونيو 2007م الموافق 23 جمادى الأولى 1428هـ