العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ

أبيي... قنبلة موقوتة في اتفاق السودان

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

أبيي دخلت إلى القاموس السياسي السوداني في مفاوضات السلام بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم والحركة الشعبية المتمردة سابقا في الجنوب العام 2005 على رغم أن المنطقة شهدت النزاعات والحروب منذ العام 1964 بين القبائل العربية (المسيرية) والزنجية(دينكا نقوك) التي تقطنها.أبيي في الواقع قرية ولكن عندما سُيست أصبح لها تعريف فضفاض شمل القرية وضواحيها على امتداد عشرات الكيلومترات المربعة.تاريخيا تتبع أبيي القرية وضواحيها إداريا إلى ولاية جنوب كردفان التي هي ضمن أقاليم شمال السودان وفقا لحدود العام 1956 الذي استقلت فيه البلاد.

ظهرت المشكلة إلى الوجود وتعقدت في مفاوضات نيفاشا الكينية بسبب أن أبناء منطقة أبيي من الجنوبيين كانوا قيادات في الحركة الشعبية المتمردة سابقا وهناك وجود قوي لهم في أوروبا وأميركا وحتى داخل أروقة الأمم المتحدة.هؤلاء أرادوا أن تعود أبيي إداريا إلى جنوب السودان متجاوزين بذلك المطلب التاريخي للقيادات التقليدية للمنطقة الذين طالبوا في الماضي بتبعيتها لشمال السودان. ومن العوامل التي أدت إلى تعقيد المشكلة أيضا عدم إلمام أعضاء وفد المؤتمر الوطني المفاوض في نيفاشا بطبيعة المنطقة وسكانها وحدودها التاريخية وعدم الأخذ بآراء أبناء المسيرية في التفاوض ما أدى إلى التنازل والقبول بمهمة يقوم بها خبراء أجانب للفصل في القضية. بالطبع كان الخبراء الغربيون منحازين إلى أهل الجنوب بحكم أن الجنوب مسيحي في الغالب وهو أقرب إليهم باستخدامه للغة الانجليزية على نحو واسع، ولذلك كان تقرير الخبراء معقدا أكثر للقضية إذ استند إلى مغالطات ربما قدمها أبناء أبيي الجنوبيون المتمردون سابقا. قام الخبراء الأجانب بمهمة غير التي كلفتهم بها بنود اتفاق نيفاشا إذ إنهم تبرعوا من تلقاء أنفسهم بتسمية حدود المنطقة الشمالية، بينما نص الاتفاق على أن يسعى الخبراء إلى تحديد معالم تسع عموديات (مناطق قبلية رعوية) جنوبية كان عمدتها طلب من الحاكم الإنجليزي آنذاك بأن تتبع إداريا إلى شمال السودان. وبدلا من ذلك أفتى الخبراء الذين كان يترأسهم سفير أميركي سابق في السودان، بأن المناطق شمال أبيي القرية (تضم مدينة الميرم، هجليج، الدواس، حقول البترول) وغيرها تتبع إلى الجنوب، على رغم أن الخبراء أنفسهم اعترفوا كتابة أنهم فشلوا في تحديد مناطق العموديات التسع التي ضمت إداريا إلى شمال البلاد (وهذه هي مهمتهم الحقيقية التي أخفقوا في القيام بها). عندما قدم الخبراء تقريرهم إلى شريكي الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) برئاسة عمر البشير وجون قرنق (قبل وفاته) رفض الأول قبول التقرير بينما أيده الثاني لأنه يصب في مصلحته إذ اتبع التقرير حقول البترول والمسارات الرعوية لقبائل المسيرية، إلى جنوب السودان.

لم يكن رفض الرئيس البشير للتقرير وليد الصدفة ولكنه كان على دراية تامة بطبيعة المنطقة المتنازع عليها، على خلفية أنه كان القائد للمنطقة العسكرية هناك قبيل قيامه بانقلاب 30 يونيو/ حزيران 1989، بالإضافة إلى التظاهرة السلمية التي قام بها أبناء أبيي من العرب المسيرية في الخرطوم بعيد تقديم الخبراء لتقريرهم المثير للجدل. فقد اجتمعوا بالرئيس البشير في بيت الضيافة، ورفعهم لشعار أن «باطن الأرض خير لهم من ظاهرها إن اتبعت أبيي إلى الجنوب». كيف لا وهم الذين ساندوا الجيش السوداني في قتاله التمرد في جنوب السودان والذي اندلعت شرارته الأولى بحركة الانانيا العام 1965 مرورا بتأسيس الحركة الشعبية العام 1985 وحتى انتهاء الحرب الأهلية في الجنوب 2005.

إن قضية أبيي في الواقع ليست قضية قبلية أو نزاعا عشائريا رعويا اليوم بقدر ما هي تعتبر الحدود الجنوبية الغربية للدولة السودانية إذا ما قدر للجنوب أن ينفصل عن الوطن الأم عبر استفتاء سينظم العام 2011. ولذلك يجب على جميع السودانيين الوطنيين بجميع ألوان طيفهم السياسي أن يتحدوا ويتنبهوا لقضية أبيي لأن القبول بتقرير الخبراء من شأنه أن يضيع عليهم مساحة شاسعة تزخر بموارد طبيعية منها النفط والماشية التي يرعاها المسيرية والمياه العذبة للأنهر والوديان والخيران وتمنح الدولة الجنوبية المرتقبة حدودا لم يمنحها لها المستعمر ولم تحلم بها ذات يوم. وأكثر من ذلك خلق بؤرة صراع دائم بين القبائل هناك التي طالما تعايشت سلميا ردحا من الزمن. أما التفاوض الأخير بشأن ملف أبيي بين شريكي الحكم والاتفاق على تشكيل إدارة مشتركة وترسيم حدود مؤقتة للمنطقة يعد إقرارا نسبيا بالخطأ الذي ارتكبه المفاوضون في اتفاق نيفاشا للسلام، وفيه جنوح نحو تصحيح ذلك الخطأ قبل فوات الأوان.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً