المسألة لا تتعلق مطلقا بالمبلغ الذي سيستقطع من راتب كل بحريني لدعم مشروع التأمين ضد التعطل، ولا أظن أن أي بحريني غيور سيمانع من دعم أخيه البحريني ولو بالشيء اليسير، ولكن هناك أبعادا أخرى لا مفر من التطرق إليها، وهذه الأبعاد متعلقة تعلقا كبيرا بالحياة المعيشية للبحرينيين، سواء من يعمل منهم أو من لا يعمل، ومتعلقة أيضا بالطريقة الذي جاء بها هذا القرار، الذي يرى كثيرون بأنه جاء مغايرا للمطالبات بزيادة الرواتب ودعم السلع وغيرها من الأمور التي بدأت تطفو على السطح في الآونة الأخيرة.
التكافل الاجتماعي جميل، والأجمل منه أن يحصل البحرينيون العاطلون عن العمل على دخل يمكنهم من الدخول في معترك الحياة بغض النظر عن المبلغ ومن أين سيأتي... لنتحدث قليلا عن هذا الواحد في المئة من كل راتب، ونتساءل: لماذا لا تتكفل الحكومة بالمبلغ برمته، أم أن مبدأ التكافل الاجتماعي لم يظهر لها إلا في هذه القضية؟ هل هناك – لا سمح الله طبعا- عجزا في الموازنة؟! وإذا صح وأن موازنتنا تعاني من العجز، فمن الأولى استقطاع أجزاء من رواتبنا لدعم هذه الموازنة لأن موازنة الوطن أهم، ويا مرحبا بمبدأ التكافل مع وزارات وقطاعات الدولة!
ثم إن هناك مسألة أخرى، فإن كانت الحكومة تؤمن بمبدأ التكافل الاجتماعي وأهميته في ترسيخ عرى المجتمع، فمن الأولى أن تبادر هي وفق هذا المبدأ بترسيخ عراها مع المجتمع. وماذا عن أولئك البحرينيين الغارقين في وحل الحياة المرة، فرواتبهم لا تكفيهم حتى إلى منتصف الشهر، ونجيء لهم اليوم بقرار لاستقطاع رواتبهم، ألا يكفي استقطاع المصارف ومحصلة الديون هنا وهناك؟!
وماذا عن الشوريين والنواب يا ترى، هل سيعفون حقا من الاستقطاع؟ وإن صح ذلك فما الهدف من هذا الإعفاء؟ هل لأن أياديهم البيضاء كلت من تدعيم مبادئ التكافل، والقصد هنا ليس لجميعهم طبعا، ولكن لنكن واقعيين في موازنة الأمور ووزنها، فإذا أردنا تحقيق مبدأ التكافل فعلى كل شخص يعيش على أرض المملكة أن يساهم في التكافل، وترفع حسابات المبالغ المستوفاة وتنشر على الملأ.
ولكن، تطرقنا في هذه العجالة مسألة أخرى، مادمنا نتحدث عن التكافل الاجتماعي، ومادامت الحكومة طرقت الباب وفتحته على مصراعيه لتعزيز هذا المبدأ، فالجميع يعلم بأن عشرات البحرينيين يعيشون حياة مأسوية إن صح لنا التعبير، فلربما كانت صفة المأسوية لا تصف الوضع المزري، والجميع يعلم بمن فيهم الحكومة طبعا، بأن ظروف المعيشة تصعب يوما بعد يوم وهناك من يعاني ليلاقي قوت يومه ويشقى ويبات ويصحو مهموما مغموما من تبعات الحياة، فلماذا لا نطبق مبدأ التكافل الاجتماعي ونفتح صفحة بيضاء مع المواطنين ونوفر لهم على الأقل ما نص عليه الدستور وهو الصحة والأمان؟
وما دامت الحياة تسير بهذه الطريقة حيث يقبع البحريني تحت مشنقة الديون وهموم العيش الأليم، فإننا أهملنا أهم ما يوفره الدستور، فلا أمان للناس إلا براحة البال، ولا ننس أن الهم والغم وطول التفكير في المنغصات من أهم الأسباب المؤدية إلى الأمراض النفسية والجلطات بأنواعها لا قدر الله، ومعنى ذلك أن مستشفى «المجانين» لن يتحمل عدد المحولين غليه خلال الأيام القليلة المقبلة... الله يستر بستره.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ