عندما أصبح الشيخ علي الطنطاوي معلما قال له أستاذه «يا ولدي لا تحرص على هذه المهنة (التعليم)؛ اتركها إن استطعت، فهي محنة لا مهنة، هي ممات بطيء».
بحسب تقرير لليونسكو يوجد في العالم أكثر من 50 مليون معلم لكن نصفهم يرغب في تغيير مهنته.
لماذا يرغب المعلمون في تغيير مهنتهم؟ ومتى تصبح مهنة التعليم عندنا مهنة الإقبال لا الفرار؟
المعلمون هم عُمَّارُ المدارس، وهم مربو الأجيال، لقد شغلت هذه المهنة وهذه المهمة البشر على مدى التاريخ، فالجميع يخرج من عباءة المعلم، لكن الذين تخرجوا من على يديه وأصبحوا من رجال الساسة وأصحاب القرار يغفلون عنه، ويتناسوه في غمرة انشغالاتهم، وهو الأولى والأجدر بالاهتمام.
المشكلة تكمن في ان هناك تراجعا لمكانة المعلم في ثقافة الدولة بشكل عام، وأصبحت قضية حقوق المعلم قضية فردية وعليه وحده أن يواجه أعباءها!، إن ذلك من أخطر مظاهر عدم الشعور بالمسئولية، فمازالت القضية ضعيفة ولا تشكل قوة ضاغطة، بعد ان ضحى المجتمع بالمعلم الذي لا يلقى في الغالب تقديرا عاليا.
إن الحديث عن المعلمين حديث ذو شجون؛ حديث ذو هموم وآلام، لقد عانى معلمونا كثيرا ومازالوا يعانون ويكابدون الأمرين من ضغوط الالتزامات بمقابل قلة المردود المادي وضنك العيش، المعلم يجب إن يكون بمثابة الكيان الشامخ المستقل ولا ينبغي ان تنتقل معاناته معه إلى قاعة الصف، معلمونا لا يريدون شيئا خارقا أو محرما، ولا يرغبون في خلق إثارة، فهم أهل النظام والطاعة، لكن ذلك لا يعنى أن يستهان بهم، فليس أمر من أن ينتابهم الشعور المرير بأنه قد انطبق عليهم قول الشاعر: عبروا عليه وجاوزوه كأنما خلق المعلم للتسلق سلما.
فليس من الإنصاف ان يتحمل المعلم أعباء جميع إصلاحات التعليم، وفي الوقت ذاته هو المسئول وحده عن الطلاب، وهو الذي يعيش في خنادق الصفوف، من دون أن يأخذ حقه المادي والمعنوي، فبأي حق يناط بالمعلم 20 حصة مضافة إليها أعباء لا حصر لها، ويتم التعامل مع المعلم كآلة، والنصاب كرقم، أليس من حق المعلم أن يعاد النظر في نصابه الأسبوعي، وان يكون له الخيار في الأنشطة من دون أن تلقى عليه جزافا.
يخشى المعلم ان يكون هو الحلقة الأضعف في المطالبة برفع الرواتب والأجور، إذ اتفقت الكتل البرلمانية على ان الزيادة ستكون من نصيب الدرجات العمومية بحجة أن الدرجات التخصصية قد أطالتها الزيادة، والمعلم هنا لم ينل من الزيادة إلا 5 في المئة بينما حصل البقية على 15 في المئة وأكثر، وسيخرج من شرف الزيادة إذ أقرت للدرجات العمومية، فليس محسوب على بني أعمامه ولا من أخواله، والكل يعول على الكادر الذي كدر صفو عيش المعلمين، فبعد مماطلة وطيلة انتظار ظهرت لنا منظومة ضبابية اقرب للعقاب بشروط طويلة بمقابل لا يسمن ولا يغني عن جوع، يزهد فيها الفقير قبل الغني، بل إن هذا الكادر لم يٍُِفعل واغفل عن دور المعلم الأول، الذي يسمى في بلجيكا بالناصح المخلص، إذ يوكل إليه تدريب المعلم المستجد، ونتساءل هنا فما هي التسمية التي سيطلقها التربويون البلجكيون على المعلم الأول في البحرين إذ اطلعوا على ما يقوم به من مهمات؟.
المعلم في اليابان نصابه الأسبوعي لا يتعدى أربعة عشر حصة، ويحصل على راتب كبير يغبطه به الأولون والآخرون، إذ يتسلم المعلم المستجد بالمرحلة الثانوية على أول راتب بمقدار 625 دينارا، وهو الراتب الأساسي، كما يحصل المعلم في اليابان على علاوة مالية ثلاث مرات بالعام الواحد وهي تعادل خمسة أضعاف الراتب الأساسي في كل فصل دراسي علاوة، فالسنة الدراسية في اليابان عبارة عن ثلاث فصول، ومجموع ما يحصل عليه المعلم المستجد الياباني في السنة من علاوات تقدر بـ 3100 دينار من دون شروط وتزيد هذه العلاوة بزيادة الخدمة والمدة، كما يحصل على ما يسمى بالمنافع قصيرة المدى مثل المصاريف الطبية، مصاريف ولادة طفل، منحة مواجهة الكوارث، ومنافع طويلة المدى وتشمل مرتب تقاعدي، مرتب عجز، أو إعاقة، معاش لأهل المتوفي وهذا كله بخلاف التأمين المدعوم حكوميا.
لذلك تشهد مهنة التعليم في اليابان إقبالا كبيرا ويشتد التنافس على الالتحاق بكليات إعداد المعلمين.
لا ندري ما أوجه الاختلاف بين المعلم الياباني والمعلم البحريني؟، وعلى رغم فجوة المقارنة في العلاوات المادية، إلا إن معلمينا لا يريدون المساواة مع المعلم الياباني، هم لا يريدون سوى الإنصاف الذي يضمن لهم العيش بكرامة، عيش يؤمن لهم تركيزهم في عملهم، يريدون عملا لا يرهقهم، عمل لا يحملون تبعاته إلى بيوتهم، لذا فان كنا نريد حقا إصلاح التعليم، وأن يلعب المعلم دورا في العملية التعليمية برمتها يجب إن نقف جميعا وقفة صادقة لإنصاف المعلم الذي كاد ان يكون رسولا من أجل إعادة هيبته ومكانته. فهل يحمل المستقبل أي تباشير؟
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1737 - الجمعة 08 يونيو 2007م الموافق 22 جمادى الأولى 1428هـ