في الأسبوع الأول من هذا الشهر، يعيد العرب نصب مناحاتهم في ذكرى هزيمتهم الكبرى. ففي مثل هذا الشهر قبل أربعين عاما، احتلت «إسرائيل» هضبة الجولان السورية والضفة الغربية من نهر الأردن، وقطاع غزة الذي كان خاضعا لمصر، بالإضافة إلى كل جزيرة سيناء.
في هذه الأيام نقرأ ما يروى من قصص «البطولات» العربية التي لم نعشها في حزيران! فأحدهم روى كيف أن الجنود الأردنيين بدأوا بالفرار بشكل غير منظم، بعد أن تخلّصوا من خوذهم وأزيائهم العسكرية خوفا من الجيش الإسرائيلي! ولم تكن الجيوش العربية الأخرى أكثر شجاعة وبسالة وإقداما من الجيش العربي الأردني، فالكل حين يحمي الوطيس تظهر عليهم علامات العرب الأقحاح! وهو السيناريو الذي تكرّر في ملحمة سقوط بغداد، بعد أن خلف جنود «صدام» ملابسهم وسلّموا المدينة في يومٍ واحدٍ من دون قتال!
حتى الكشافة تخلّصوا من ملابسهم الخضراء، لئلا يظنهم الصهاينة بأنهم محاربون فينالهم الأذى، وهناك من سلّم ما لديه من أسلحة، ومنهم من سلم حتى بنادق الأطفال البلاستيكية خوفا وهلعا. وحين اقتحم الجيش الإسرائيلي المدن العربية، كان يملأ الشاحنات بالسكان ويرسلهم إلى المخيمات.
أما الإعلام العربي فقد أسقط أكثر من 75 طائرة إسرائيلية في اليوم الأول من الحرب، ولكن في اليوم التالي تبين ان كل الطائرات «العربية» الجاثمة على الأرض حوّلها الإسرائيليون إلى قطع محترقة من الخردة، وبدأ الحديث عن الانسحاب التكتيكي إلى خط الدفاع الثاني والثالث والرابع... انسحابٌ لم يتوقف إلاّ عند أبواب قصور الحكام الصناديد!
كل هذه الكارثة لم تمنع أشخاصا مثل محمد حسنين هيكل، وأمين هويدي من الاستمرار في بيع الأوهام على الجيل الجديد، فهويدي بعد أربعين عاما يخرج محتجا: «من قال لكم بأن جيشنا المصري الشجاع لم يحارب في سيناء؟»! وهكذا يراد توريث قيم الذل والضعة والهوان للأجيال الجديدة من أجل كبرياء مصطنعة.
في العام الماضي، عندما نشبت حرب تموز، وسطّر مقاومو «حزب الله» ملاحم بطولة حقيقية، صدرت الفتاوى الدينية التي تفوح منها رائحة النفط: «لا يجوز قتال العدو إذا كان أكثر عددا وعدة، ويجوز للجنود الفرار من ساحة المعركة إلى بيوتهم»! نظرياتٌ تبرّر الفرار من الزحف وتفلسف الهزيمة والجبن. وتلقفت «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية فتوى هذه المشائخ بتحريم نصرة حزب الله وتكفير قائده السيد حسن نصر الله، لتنقلها مباشرة قناة «فوكس نيوز» الأميركية، كأنهم تعاونوا على البر والتقوى، ولم يتعاونوا على الفسوق والبهتان!
الهزيمة التي ضربت الأعماق العربية، أنتجت جيلا طلّق البطولة، واستطاب حياة الذل والهوان. أصبحت المقاومة طيشا ومغامرة، وبات «تشليح الملابس» للعدو عقلا وبطولة الشجعان! لا غرو أن تنبري «متوّة» صغيرة، في إحدى الصحف الطائفية التافهة، لتطالب بمحاكمة نصر الله، الذي أعتبر الشيخ السلفي نصرته «أمرا مخالفا للقوانين الإسلامية»، واعتبر من صمدوا للدفاع عن وطنهم «جماعة إرهابية»، جريا على سنّة الأميركان!
العرب الذين اعتادوا على الهروب من القتال، والتهجير القسري والطوعي إلى المنافي، أدخلت المقاومة الإسلامية في لبنان تغييرا على قواعد اللعبة في حياتهم، على رغم فداحة الثمن وهول الدمار، فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، يتم قصف مدن شمال «إسرائيل» وتهجير سكانها، وقصف مراكز القيادة العسكرية، وإسقاط الطائرات المروحية بمن فيها، ولأول مرةٍ يفشل الإسرائيليون في تحقيق أهداف ظنت وزيرة خارجيتهم أنها ستتحقق في ظرف ساعات، لكنها لم تتحقق بعد (43)يوما بشهادة قاضيهم فونوغراد.
أمةٌ متخلفةٌ... تصنع من طغاتها أبطالا، ويطالب بغاثها بمحاكمة أبطالها الذين صنعوا لها هالات المجد. عرب!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1736 - الخميس 07 يونيو 2007م الموافق 21 جمادى الأولى 1428هـ