العدد 1736 - الخميس 07 يونيو 2007م الموافق 21 جمادى الأولى 1428هـ

النساء: القوة الصاعدة من أجل السلام

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يعرف بعض الناس الكثير عن أناس يعيشون في «إسرائيل» أو فلسطين، إلا أن تطبيق كلمة «خبير» بالمنطقة على شخص واحد هو أمر مفعم بالمشكلات. الخبير بالنسبة إلى شخص ما هو مخرّف بالنسبة إلى شخص آخر، أو حتى دعائي سياسي. «الآراء الخبيرة»، وهناك الكثير منها، تناقض بعضها بعضا، بغض النظر عما إذا بدت عقلانية أو عاطفية على الصفحات المكتوبة.

لا يمكن لإنسان، مهما كانت نواياه صادقة، أن تكون له القوة الذهنية والابتعاد عن الأجندة الشخصية بوعي أو بغير وعي، والمعرفة التاريخية، بشأن الاتصالات الأرضية عبر الهوة الفاصلة، أو القدرة على الاستنباط والتفسير، ليكون خبيرا بكل الشعب الفلسطيني والإسرائيلي، وتاريخه ونواياه وآماله. التنوع اللا متناهي «للحقائق» التاريخية والإدراكية الحسّية يشكّل لوحة فسيفساء تبدو مختلفة حسب المكان الذي تقف فيه وتنظر منه، وحسب كمية الضوء أو القمة المجازية في تلك اللحظة.

في هذه المنطقة لا يمكننا أن نعرف إلا ما نشهده بأم أعيننا، وحتى ذلك يمر عبر مصافٍ شخصية. مشاهداتي الشخصية كانت مع ناشطات فلسطينيات وإسرائيليات على جانبي الجدار. شاهدت كذلك عبر السنوات الثلاث الماضية توجهات كثيرة ومرّرتها عبر مصافيّ الشخصية: تغييرات دقيقة وإنما مهمة في اللغة والمفاهيم التي بدأت تبرز وتقلبات في مُعامِل الأمل.

أولا النساء: حسب التعريف السائد، المرأة القائدة هي تلك التي تملك القوة الذاتية و»نافذة» ثقافية يمكن أن تنفذ من خلالها وتنهض إلى مستوى كونها فريدة داخل بوتقة الأرض المقدسة، تصقلها النار. هؤلاء النساء، اللواتي اخترن ذاتهن، يمتلكن صفات وميزات معينة شاهدتها عبر الفراغ الثقافي والفعلي في المنطقة. وتضم هذه الميزات المرونة العاطفية والقدرة على الاحتمال والثقة بالذات، التي بدأت منذ طفولتهن، والقدرة على البهجة الداخلية، والشعور بالراحة في المواقف القيادية والقدرة على وضع الاستراتيجيات والاستعداد لتجربة أساليب جديدة والشجاعة لمواجهة قادة ذكور راسخين في مراكز ومناطق حكمهم.

بغض النظر عما إذا كانت المرأة هي عضوة المجلس التشريعي الفلسطيني من القدس ومؤسسة مركز المرأة في مخيم شعفاط للاجئين جهاد أبو زنيد ،أو المديرة التنفيذية لمؤسسة مركز أزمات الاغتصاب في «إسرائيل»تال كريمر، فإن هذه الصفات والميزات تسود. بغض النظر عما إذا كانت هذه المرأة هي المديرة التنفيذية لأهوتي شولا كيشيت، المنظمة المظللة لنساء مزراحي (النساء اليهوديات من الدول العربية أو المسلمة) في «إسرائيل»، أو المديرة المشاركة لمدرسة زهور الأمل في بيت لحم غادة عيسى، فإن هؤلاء النساء يعرفن ما يواجهنه، وذلك لا يخيفهن.

بغض النظر عما إذا كانت تلك المرأة هي مؤسسة منظمة السلطة لنا We Power (سلطة النساء الانتخابية)ميشال يودين، التي تجمع النساء الإسرائيليات في العملية السياسية، أو مؤسسة مركز الطفل السعيد التي ترعى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في الضفة الغربية جمانة عودة، فإنها ترى مهمتها وتنفذها بسمو وكياسة وتدفع يوميا باتجاه تحقيق الهدف.

في منظمتنا «Peace x Peace» نستخدم الإنترنت لربط المجموعات النسائية «دوائر الأخوات» عبر الثقافات في اتصال إلكتروني مباشر وعملية ترابط. لقد تعلمنا أن المرأة عبر الشرق الأوسط وكذلك الهند وأفغانستان والأرجنتين وكينيا وغيرها، هي القوة المنظِّمة في الثقافة، التي تبني مكوّنات المجتمعات المسالمة. فهن ينظمن الأمور المالية والتعليم والوقاية من العنف والسلطة السياسية والدعم العاطفي والمزارع الجماعية ورعاية الأيتام ومرضى الإيدز/ نقص المناعة، وأكثر من ذلك بكثير. تتمتع النساء عادة بتركيز أقوى على رعاية الأسرة مقارنة بالسيطرة على الأراضي والحدود. غريزتهن هي «الرعاية والصداقة» مع الغريب من أجل أمنهن، وليس «اضرب وأهرب». سّمِ ذلك أمرا عمليا، أو اللف والدوران حول القضايا الكبرى، سمه ما شئت، ولكن النساء اللواتي يعملن معا لإبراز الأُسَر والقرى والثقافات هن المادة الثقافية اللاصقة ضد قوى الخوف والعنف والغضب المفرّقة في «إسرائيل» وفلسطين.

تنتظم الفلسطينيات والإسرائيليات بأساليب عدة: كمراكز نسائية في مخيمات اللاجئين يقمن بحملات ضد المخدرات والزواج المبكر ومن أجل حقوق المرأة، وكمجموعات للتمويل المتناهي الصغر من أجل القيام بأشغال الإبرة والزراعة، وكمجموعات تمكين للسياسة وكقوى قانونية ضد مخالفات حقوق الإنسان وكمجموعات تدريب في الفنون والإعلام للشباب وكمراكز رعاية بعد المدرسة لأطفال تعرضوا لصدمات في أوضاع العنف، وغيرها.

ما شهدته بالنسبة للنساء اللواتي يؤسسن ويدرن هذه البرامج التي تهب الحياة يضم ما يأتي:

1. نسبة مرتفعة من هؤلاء النساء، وخصوصا الفلسطينيات، لم يتزوجن أو يتطلقن أو حتى يترملن. بطريقة أو بأخرى، هؤلاء النساء يتمتعن بالحرية من المعوقات الاجتماعية المتعلقة «بمكان المرأة». كذلك كن في يوم من الأيام الطفل المفضل لدى الأب وحصلن على فرص لم تحصل عليها فتيات أخريات. هناك ضرورة لإجراء المزيد من الدراسة على هذه الظاهرة.

2. تملك النساء اللواتي يرأسن مجموعات قائمة ناجحة القدرة على التعامل مع «الآخر»، وهي قدرة قوية بشكل يجعلهن يتجاوزن العداءات الثقافية المُلزِمة. فهن يدركن تشابههن مع «الآخر» ويعملن من خلاله، ويعرفن كيف يضعن الاستراتيجيات بطرق لا تعرض تراثهن أو سلطتهن في مجتمعاتهن المحلية للخطر.

3. يعمل الكثير من هؤلاء القائدات، والقادة، معا الآن، بصمت أو بصوت عالٍ عبر الفجوات بينهن. النساء الإسرائيليات يراقبن ما يحصل على الحواجز ونقاط التفتيش، جنود إسرائيليون سابقون يأخذون مواقف إلى جانب مقاتلين فلسطينيين سابقين، يعدون بألا يستخدموا العنف في المستقبل ضد بعضهم بعضا. وتجد وسائل الإعلام الإسرائيلية والفلسطينية أساليب لتبادل المعلومات بينها.

العمل معا هو شكل من أشكال العمل الناشط التي بدأت تبرز بعد خيبة الأمل التي سادت عقب اتفاقات أوسلو. ضمن هذا التوجه وجدت أنني «كطرف ثالث» محايد يمثل منظمة دولية غير سياسية أستطيع أن أخدم ليس فقط كمرآة لجميع سكان المنطقة وإنما كذلك لأن منظمتي «Peace x Peace» تحتل وضعا ممتازا كموقع للتواصل والترابط الإلكتروني في هذه الأرض التي تخترقها الجدران الإسمنتية طولا وعرضا وتقف القوانين حواجز، وتأخذها الطروحات الثقافية المتعارضة رهائن وأسرى. عندما أتت منظمة «Peace x Peace» إلى المنطقة قبل سنوات ثلاث اضطررتُ لأن أشرح أهمية الترابط والتواصل، وكان ذلك بين نساء من المنطقة ونساء في الولايات المتحدة، وليس بين النساء في المنطقة. أما بالنسبة إلى ربط النساء الفلسطينيات والإسرائيليات معا فقد جرى إنذاري تكرارا: «لا تحاولي أبدا» لذا لم أفعل ذلك. قامت «Peace x Peace» بربط نساء يُقِمنَ على جانبي الجدار كحلقات من الأخوات مع نساء في الولايات المتحدة، بينما استمريت في العودة إلى «إسرائيل» وفلسطين كشخص حيادي مهتم. وانتظرت.

اليوم تعمل العضوات في «Peace x Peace» في كل أنحاء المنطقة معا للتلاقي (أينما وعندما يكون الأمر قانونيا) ومع عناصر الارتباط الإسرائيلية والفلسطينية في القدس وحولها. يرسلون الرسائل الإلكترونية لبعضهم بعضا ويخططون لزيارة مخيمات اللاجئين معا. بعضهن ينادين الأخريات «الأخوات». وعلى رغم أن بعض النساء لا يبدين الاهتمام - بعض الفلسطينيات بالذات يرفضن مقابلة الإسرائيليات - تصاب الكثير من عضوات «Peace x Peace» بالإحباط لعدم قدرتهن على الاجتماع بسهولة، أو أن يتصادقن وجها لوجه.

من المؤكد أن هذه مجموعة مختارة من النساء والرجال، إلا أنها كذلك مجموعة شجاعة بل بطولية تتبوأ مكانا جيدا كقوة في مجتمعاتها الثقافية. ليست أعدادها قليلة وهم يقومون بالتواصل والترابط. أثناء زيارتي الأخيرة في أوائل العام 2007 شهدت أملا. أمل من النوع الذي يشعر به «محارب» قديم متمرس في هذا المجال. أمل ينمو بينما يقوم أعضاء من الجانبين بوصل النقاط بخطوط واضحة المعالم.

تقول إيلينا روزينمان وهي يهودية ومسئولة ارتباط لمنظمة «Peace x Peace» تقيم في القدس: «البطل هو الشخص القادر على البقاء مسالما في خضم نزاع هائل وعنف واسع. البطل هو من يفعل ذلك من خلال القدرة على التعامل مع وتفهم جميع من حوله من الناس، وقدرته على وضع نفسه في مكان جميع من حوله، يتطلب ذلك قدرا هائلا من الشجاعة والاحترام وعمقا في التفهم وكما هائلا من الحب».

ما أميزه هنا هو: يخرج من بوتقة الأراضي المقدسة أناس يعطون أعمق المعاني للأمل والحب، والنساء لهن دور رئيس في تحقيق ذلك على الأرض.

*مؤسِسة ورئيسة «Peace x Peace»، أو السلام عن طريق السلام، وهي منظمة عالمية تستخدم الإنترنت لربط النساء حول العالم. كما أن ملتون هي المنتجة التنفيذية للشريط الوثائقي: السلام عن طريق السلام: النساء في الخطوط الأمامية، الحائز على جوائز كثيرة. وهي كذلك شاعرة وكاتبة مسرحية ومصوّرة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند».

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1736 - الخميس 07 يونيو 2007م الموافق 21 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً