العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ

الفقر في البحرين شأن وشجن ولحن طائفي!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الفقر في البحرين، وهو القضية الوطنية الكبرى التي يعاني منها أغلب أبناء الشعب البحريني، قد أصبح بمجهود سينمائي متواضعا وأشرفت عليه قناة «سي إن إن» الأميركية بمثابة الشأن والشجن الطائفي الذي يخص أشقاءنا من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة فقط دون سواهم من أبناء الوطن!

فبهذا البرنامج الذي اطلعت عليه أكثر من مرة لأجل الإنصاف أصبحت هذه القضية التي صنعتها «السياسات الرشيدة» على مر الزمن، والتي أفقرت غالبية الشعب من «قلالي» و»فرجان المحرق» و»البديع»، فـ «سترة» و»بني جمرة» و»الدير» و»الديه» و»الدراز» و»الرفاع» وغيرها من مناطق البلاد، أصبحت هذه القضية الساخنة قابلة للقسمة على اثنين أو نصفين أو ضدين متضادين هما بحسب «سي إن إن» أهل السنة والجماعة وأشقاؤهم في العروبة والإسلام من الطائفة الشيعية الكريمة، فهي بناء على مجهود قناة «سي إن إن» و»الجلبيين» باتت قضية محاصصة طائفية ومسألة نسبة وتناسب لا أقل ولا أكثر، بينما الواقع البحريني المعاش والمكبل بأحزمة الفقر والبؤس الناسف مجتمعيا ينسف كل ذلك!

إن هذا القول التفتيتي المدمر، والفعل الطائفي الخبيث ذا الأجندة الواضحة والملموسة يؤسس لمقولات ترى أن «العدالة» و»الإنصاف» و»الحرية» و»المساواة» هي مطالب وشئون شيعية بحتة لا دخل لأحد بها، في حين أن «الأمن» و»الاستقرار» و»الانضباط الولائي» هي مطالب وشروط سنية محتكرة لا تقبل المساومة، فأعطوا الشيعي «عدالة» و»إنصافا» و»حرية» و»مساواة» وامنحوا السني «الأمن» و»الاستقرار» وزكوا انضباطه الولائي للوطن، وبذلك تكتمل معادلتنا الوطنية الصحية، ونسير قدما في دروب الإصلاح والمصالحة على وقع «الشيلات» الديمقراطية، وعلى رغم كونها جميعا مطالب وحقوقا وواجبات إنسانية مشتركة لا غنى عنها لسني أو شيعي أبدا!

وإن كانت هنالك صحة في ما ذكر في بداية البرنامج عن الفوارق الهائلة المرصودة بين ما هو معلن من أرقام وتقديرات عالية ومتميزة دوليا للبحرين، وبين الوضع المعيشي المتردي الذي ينوء تحت أثقاله المواطنون البحرينيون، وهي ظاهرة رأسمالية تاريخية دولية إذ تتسع الفجوة السوداء بين غالبية معدمة وأقلية ثرية جدا كما هو في البحرين وبصورة أكبر في الولايات المتحدة الأميركية التي يسيطر فيها 1 في المئة على أكثر من 80 في المئة من المدخول القومي، ولكن هذا لا يشفع أن يكون زاوية تبريرية لتزايد أعداد الفقراء بحرينيا، كما هو لا يبرر سعي قناة «سي إن إن» وبعض «الجلبية» في بلادنا بأن يحاولوا تمييز الوضع البحريني ضمن سيناريو اصطناعي على اعتبار أن الانقسامات الطافية في البحرين هي المحددات والمعايير التي تندرج تحتها الانقسامات والمحددات الطبقية الاجتماعية، فهذه مأساة خرافية وإن كنا نشهد واقع المحاصصة الطائفية في مؤسسات الدولة وشركاتها، بل هي أحيانا محاصصة فئوية تجعل من مؤسسات بعينها وكرا لأبناء التنظيم الحزبي الواحد جراء مساومات لا تعرف شرع الله ولا سنة رسوله الأعظم!

كما أنه لا يعطي عذرا في أن يتم التقليل من شأن قضية وطنية كبرى بحجم الفقر ليتم حكرها في زاوية طائفية بحتة، وتكون بمثابة أوراق وتهديدات الابتزاز السياسي الطائفي المبتذل المرفوع في وجه الدولة وفي وجه طائفة أخرى، وكأنما جميع أبناء أهل السنة والجماعة وجهاء وأعيان، وأصحاب عقارات و»فشوت» يحتذون الفيروز والياقوت!

فتحت أية ذريعة وحجة موضوعية منصفة قامت قناة «السي إن إن» بتحويل قضية الفقر إلى قضية سياسية مغلقة بدلا من أن تكون على حقيقتها قضية شعب ووطن بأكملها، وكأنما لسان الحال البحرينية يقول: «إن كنت فقيرا لابد أن تكون شيعيا أولا، وإن كانت ثريا فلابد أن تكون سنيا أولا»؟!

إن «السي إن إن» و»جلبية» البحرين وأمثالهم قد حجموا هذه القضية طائفيا وقللوا من شأن أصحاب القضية بحصرهم طائفيا وتجاهلوا حالات فقر أخرى مماثلة في البلاد، ما يساهم في التقليل من الرصيد الوطني لهذه القضية، وهو الفقر بمثابة الصناعة الوطنية الأكثر إنتاجا وغير القابلة للخضوع تحت إمرة الابتزاز الطائفي المحرك بأجندة شرق أوسطية خارجية!

ومثل هذه الاتهامات يعكسها المحتوى والسيناريو المجيّر طائفيا وسياسيا للبرنامج، وهو ذاته الذي يفضح النوايا وينقض الموضوعية، وذلك بما اشتمل عليه من التشديد على استخدام مصطلحات ذات غلبة طائفية تتبرأ من المسمى البحريني الوطني، فيتم الحديث عن «صبي شيعي» و»عائلة شيعية» و»مظاهرة شيعية» بدلا من «عائلة بحرينية شيعية» و»صبي بحريني شيعي» و»مظاهرة بحرينية شيعية» على الأقل!

هل يختلف «الفقر الشيعي» عن «الفقر السني» مثلا؟!

بحسب العينات والمشاهد المؤثرة المنتقاة في البرنامج تكون الصورة المراد إيصالها للمشاهد هي أنه في البحرين توجد أقلية سنية ثرية حاكمة في مقابل غالبية شيعية فقيرة محكومة، بل إنه ومن خلال التطرق إلى موضوعات البطالة يتم مقابلة الوزيرة فاطمة البلوشي وزيرة التنمية الاجتماعية عوضا عن وزير العمل مجيد العلوي للتحدث عن هذا الموضوع الذي يدخل ضمن اطلاعاته وسلطاته واختصاصاته الرسمية بشكل مباشر قد يتيح له الفرصة للحديث عن واقع البطالة والمشروع الوطني للتوظيف والمشروعات الإصلاحية المطروحة لمعالجتها والتخفيف من آثارها، إلا أن ما يعزز الشبهات هو أن يتم اختيار وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر ووزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي حتى يتحدثان كممثلين سنيين معتمدين للحكومة بحسب البرنامج بدلا من وزير العمل مجيد العلوي الذي ربما كان من الممكن أن يحقق إضافة أكثر نوعية وموضوعية بحكم اختصاصه وسلطته واطلاعه، وبالتالي تتعزز الشبهات لدينا عن أن السيناريو الطائفي المحبوك سينمائيا لا يسمح بظهور ممثل شيعي عالي المستوى للحكومة يتحدث عن هذه القضايا، لأن ذلك يكسر رقبة الرسالة وأضلاع الأفكار والانطباعات التي يوجهها هذا البرنامج الهابط موضوعيا ومهنيا!

وإن تمت مقابلة وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي، فقد كان من المناسب لتعزيز الموضوعية والمهنية المنتقصة في هذا البرنامج أن يتم على سبيل المثال التطرق إلى مشروع «مصرف الأسرة» أو مبادرة «بنك الفقراء» الرائدة إقليميا كمشروع يهدف إلى معالجة الفقر في البحرين على غرار «بنك جرامين» في بنغلادش، فالتطرق إلى مثل هذه النقطة الإيجابية من حيث المبدأ والإعلان، ولو بشكل موجز، لا يضر برسالة البرنامج التي تسعى إلى طرح مشكلة الفقر في البحرين، أو هي تسعى إلى تأزيمها طائفيا؟!

ومثلما تناول البرنامج بلغته «مظاهرة شيعية» سلمية تتبنى مطالب شعبية ووطنية، إلا أنه لم يتطرق إلى دور أعمال العنف والشغب الدخيلة والمشبوهة التي حدثت وتحدث في البلاد بشكل منفلت ولا تحقق سوى توسيع دوائر الفقر والعوز والحرمان وتأجيج النيران من دون أن تحل أو تنسف كل القضايا الوطنية المتراكمة!

لعل ما يتطلبه الوضع حاليا بما يشمله من تطييف متعمد لقضايانا الوطنية الكبرى بما فيها قضية الفقر هو أن تكون هنالك مواقف وتحركات مدنية ننتظرها من قبل منظمات المجتمع المدني لإدانة واستنكار هذه الأقوال والأفعال المضرة بالمصلحة الوطنية العامة، وللتصدي لها ولو بإعلان مبدئي على الأقل من «التيار الوطني الديمقراطي» كجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) وجمعية المنبر التقدمي وغيرهما من نخب وأفراد وعامة.

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1735 - الأربعاء 06 يونيو 2007م الموافق 20 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً