العدد 1733 - الإثنين 04 يونيو 2007م الموافق 18 جمادى الأولى 1428هـ

قراءة في ملفات مدين

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

غدا سيكون مر على «نكبة» هزيمة يونيو/ حزيران 1967 أربعون عاما، بالكمال نصف قرن إلا عشر من السنين من الخسارة المنكرة، لم تراجع حتى اليوم تلك الخسارة السياسية مراجعة دقيقة وعقلانية ويبحث في أسبابها، وما إذا كانت تلك الخسارة تمت بسبب التهور أو الجهل أو نقص في الفهم الحضاري للمتغيرات الدولية أو كل تلك الأسباب معا. ما كتب حتى الآن متناثرا يدل على إهمال سياسي وعسكري قل نظيره.

جيل كامل لا يعرف تفاصيل تلك الهزيمة، ولكنه بالتأكيد تأثر ولايزال يتأثر بنتائجها السلبية على العرب في كل أوطانهم التي مازالت مفاعيلها تؤثر بعمق حتى اليوم، وفي التقدير الأكثر قربا إلى الصحة أن الكثير مما نراه اليوم من اضطراب سياسي في منطقتنا كانت جذوره قد تشكلت في تلك الفترة الصعبة من تاريخ العرب الحديث.

من الخطأ الوقوف على الأطلال اليوم والبحث فيما إذا كانت هناك أخطاء، ومن قام بها، الحقيقة المرة أن العرب قد خسروا تلك المعركة التي سميت في التاريخ حرب الأيام الستة، وبسبب تلك الخسارة أخذوا يدفعوا أثمانا باهظة من مستقبلهم حتى يومنا هذا. وليس المقام هنا إلقاء اللوم أو البحث عن كبش فداء، إلا أن المعضلة التي تواجه المتابع أن أسباب الخسارة الفادحة مازالت قائمة، ويبدو أن أحدا لم يتعلم شيء بعد.

قد نستعرض الأسباب التي قادت إلى الهزيمة ونرى إن كانت تلك الأسباب أو بعضها مازالت قائمة، أم أن العرب قد أخذوا علما بها وتفادوها؟

السبب الأول هو بُعد الحديث المحكي عن الحقيقة الشاخصة على الأرض، هذا المرض الخبيث الذي يضرب في السياسة العربية مازال قائما، فهناك كلام يصم الأذان عن التحرير والمقاومة،وهو لا يتعدى الشعارات لا أكثر. فإذا كان التحرير والمقاومة يعني ديمقراطية أوسع للناس وتعليما أفضل للجيل وصحة أكمل للجمهور، إذا كان ذلك معنى التحرير والمقاومة فإنه غير موجود ولن يتحقق. العلم في بلادنا مضطهد من أكثر من زاوية، فلا هو علم يقدم للناس أفقا أفضل لفهم العالم من حولهم،ولا هو علم يقوم بحل مشكلات التنمية التي يواجهها العرب، ولا هوعلم ينتج موقفا إيجابيا من الحضارة العالمية. باختصار فإن العرب في مجملهم مازال بين قولهم وفعلهم فراسخ واسعة من الوهم،وفجوة كبيرة بين علم نافع أخذت به شعوب كثيرة وبين علم شكلي يزيد المواطن جهلا.

السبب الثاني الاستهزاء بقوة العدو وهذا ما كان قبيل حزيران من أربعة عقود وهو قائم إلى اليوم، مهما كان هذا العدو قويا يملك كل تقنية عرفت على الأرض، فكل الصفات الإنسانية السلبية ملصقة في عقل العربي بذلك العدو، ما يقدم وهما آخر بالاستهانة به وبقدراته على الحشد وتطوير أدواته التي يعتمد عليها في غلبته. هذا التهوين من الآخر هو الذي جعل الجماهير العربية لا تصدق أنباء الهزيمة النكراء عند وقوعها، فقد كان الإعلام المملوك للنخب الحاكمة يوم ذاك يؤكد أثناء المعركة أن النصر قاب قوسين أو أدني،وأن كل ما نحتاج إليه هو عددا كبيرا من القبور لدفن موتى الأعداء! ومازال هذا الاستهزاء والتقليل من قوة الخصم يكاد يكون معلما ثابتا في الفضاء السياسي العربي من دون أن يبذل جهدا حقيقيا في فهم عناصر القوة عن الآخر وعناصر الضعف عندنا. لعل المثال الأكبر هو «هزيمة التتار على أبواب بغداد» الذي نادى به نظام صدام حسين، وها هي بغداد اليوم تخوض في نهر من الدماء... العراقية!

ثالثا: ضعف فهم المتغيرات الدولية، فلايزال كثير من العرب يعتقدون أن عدم اعترافهم بالمتغيرات الدولية يعني عدم وجودها،وهذا ما حدث جزئيا في ذلك الزمان قبل أربعين عاما، وقتها اعتمد كليا على مناصرة المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفياتي على اعتبار أن المصالح واحدة، وهي ليست كذلك ، لا في الماضي ولا في الحاضر،فمصالح الدول متغيرة، كما أن الآخرين ليسو على استعداد أن يحاربوا حروب غيرهم... ومازالت مع الأسف فكرة الاعتماد على المناصرة من الخارج قائمة لدى بعض العرب حتى اليوم بصرف النظر عن المتغيرات الدولية وبصرف النظر عن الطرف الدولي.

الخريطة العربية اليوم بعد أربعة عقود من الهزيمة لم تتغير، فمازال التشاحن العربي دون قاع معقول أو مرجعية متقاربة يستند عليها للإحاطة بالمصالح المشتركة. فالخلافات العربية على أشدها، زادتها حدة خلافات في داخل البلد الواحد. قبل أربعين عاما كان السودان بلدا واحدا وهو اليوم مهدد أن يتشظى إلى ثلاثة بلدان، العراق كان واحدا وهو اليوم على مشارف أن يكون ثلاثة بلدان قد تصبح متناحرة لعقود طويلة من الزمن. الصراع الأهلي اللبناني يكاد ينفجر لتصبح لبنان كانتونات مختلفة المشارب يقتل فيه الأخ أخاه، واللاجئ الفلسطيني ينتقل من لجوء إلى آخر ويعاني أفظع أشكال الحرمان الإنساني، والقائمة طويلة وكلها تؤكد أسباب الضعف والضياع.

كل هذا ولم نصل حتى اليوم إلى مكان نناقش فيه بكل صراحة ووضوح موقفنا من «إسرائيل»، التي تتخذ كمحطة للمزايدة لا أكثر بين أطراف سياسية عربية ، ولم نستطع حتى اللحظة أن نرسم خطة حقيقية واقعية لمواجهة التحدي الحضاري هذا.

وضع العرب اليوم بعد أربعة عقود من الهزيمة فكرا هو الوضع السابق نفسه مع الكثير من التردي، فالدكتاتوريات تنهش في بقية باقية من المجتمع المدني العربي، والحروب الأهلية تطل برأسها من اليمن جنوبا حتى العراق شمالا ومن الجزائر غربا حتى السودان شرقا. أما الموقف الفكري فتسيطر علية طبقة من الفكر الخرافي اللاعقلاني يبحث عن حلول لمشكلات اليوم في تجربة الأمس، ولا يرى أن الزمن قد تغير إلى غير رجعة.

الدّين العربي من جراء الهزيمة مازال قائما ولم يسدد حتى الآن،هو لم يسدد بسبب عدم وجود تصور لنهضة عربية تأخذ بالأسباب الموضوعية التي أخذت بها كثير من الشعوب ، وهي ديمقراطية حقيقة تحترم الغالبية فيها الأقلية مبنية على قواعد احترام غير منقوص للقانون الذي يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، وتعليم حديث يناسب القرن الواحد والعشرين يؤهل المجتمع إلى تطور حضاري ، وهي وصفة ليست جديدة إلا أنها تبدو ممتنعة في الفضاء العربي حتى اليوم ، وهي دين على الأجيال لم تف به بعد. المأساة أنه بعد أربعة عقود لم يتغير شيء وإن حدث التغير فهو إلى الأسوأ.

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1733 - الإثنين 04 يونيو 2007م الموافق 18 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً