العدد 1733 - الإثنين 04 يونيو 2007م الموافق 18 جمادى الأولى 1428هـ

«الكهرباء»... رمتني بدائها وانسلت!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت الكهرباء تنقطع عن بعض مناطق البحرين في منتصف السبعينات، حسبما تعيه الذاكرة، ففي العام 1978 كنا نلجأ إلى منتزه عين عذاري القريب من «الديرة» للمذاكرة استعدادا لاختبارات نهاية المرحلة الثانوية، فنقضي هناك ساعات من النهار، وأحيانا ساعات من الليل تحت أحد أعمدة الإنارة، هربا من الحر وانقطاع الكهرباء.

وخلال ثلاثين عاما لم تتغير الصورة كثيرا من حيث الإنقطاعات، فما مرّ عامٌ ليس فيه انقطاع كهرباء. الجديد في القضية أمران: دخول المياه على الخط لتزيد من تعقيدات الحياة في فصل الصيف، والتصريحات الصحافية غير الحصيفة التي تهيّج أحزان المواطنين.

المسألة المائية في البحرين من الممكن فهمها، بعد أن جفت الآبار والعيون، وزاد استنزاف المياه الجوفية مع انخفاض معدل تساقط الأمطار، وبذلك نجد مبررا لانقطاع المياه، مع أن القادم أعظم. لكن ما لا نفهمه إطلاقا أن يتصدّى وزير الكهرباء والماء إلى إلقاء أخطاء وزارته على كاهل المواطنين، فيتهمهم بأنهم المسئولون عن 90 في المئة من الانقطاعات! والمسألة ليست شخصية إطلاقا، وإنما هي هموم عامة تشغل المواطنين جميعا وتنكّد حياتهم في كل صيف.

المسألة ليست مجرد انقطاعات متفرقة ومؤذية فحسب، بل تعني خسائر مؤكدة للحلقات الأضعف من المواطنين، الذين تتعرّض مناطقهم للانقطاعات المتكررة، فتتعطّل أجهزة التكييف أو الثلاجات. هذا إذا لم نتكلم عن البرادات ومحلات السوبرماركت الصغيرة وأماكن بيع اللحوم والفواكه، فالخسائر هنا مؤكدة ومضاعفة. القفز على آلام الناس وتجاهل شكاواهم، ثم اتهامهم بأنهم وراء المشكلة، فيه استخفافٌ بالعقول وتهييجٌ للنفوس.

هذه المشكلة على فداحتها، لا تظهر في عيون بعض فلاسفة الزمان، ممن يستهويهم التنظير في الاقتصاد السياسي «المسيّس»، ويحذّرون دائما من هروب الاستثمارات الأجنبية، ولكن لا تخطر على بالهم آثار انقطاع الماء والكهرباء على سياسة جذب الاستثمارات. فأي مستثمرٍ يمكن أن يُقبِل على استثمار أمواله في بلدٍ لم يتمكّن من تلبية طلب مواطنيه على الكهرباء خلال ثلاثين عاما حتى أضيفت إليه أعباء توفير المياه؟ أم أن «التسييس» هو الذي يوجّه كتابات هذا الطابور من «المستكتبين» ويتحكّم في أهوائهم وأمزجتهم؟

أحد القراء ينقل استغراب بعض زوار البحرين من مشكلة انقطاع الكهرباء في بلد صغير، بينما يفترضون إمكان توفير طاقة زائدة واحتياطية للمستقبل، فيرد عليهم: «هذا هو الموجود»! بل إن الوزير يذهب إلى التلميح بمزيد من الانقطاعات مادام المواطنون هم السبب، خصوصا أن العام الجاري هو أكثر الأعوام إضافة وأحمالا زائدة على شبكة إنتاج الكهرباء! ومطلوبٌ من الناس أن لا يتكلموا ولا يتبرموا، لأننا شعبٌ لا يعجبنا العجب ولا الصيام في رجب! ويخرج «كتبة التقارير السرية» بنظرياتهم الداعية إلى النظر إلى النصف الملآن من الكأس! مناطق كاملة لا تملأ عيونهم، تعاني من انقطاع المياه عدة أيام، ومناطق أخرى تعاني من انقطاع الكهرباء لعدة أيام، والمطلوب أن تتوجّهوا للحديث عن النهضة العمرانية والجزر الصناعية الجديدة التي سترفع عدد الأرخبيل إلى 40 جزيرة! وما درى هؤلاء أن السكوت والإغضاء عن هذا الموضوع أفضل وأجمل وأعقل، فجزيرةٌ صناعيةٌ واحدةٌ تستهلك كهرباء ثلاث مدن، أو 20 قرية من القرى المبعثرة على ساحل المحرق أو الشمالية.

وزارةٌ خدميةٌ تتعامل مع كل سكان البحرين وزوّارها وضيوفها، لا تمتلك خطة طارئة لمعالجة الانقطاعات الحالية، ولا رؤية مستقبلية لتوفير الطاقة، وتقوم برمي أخطائها على المواطنين، وتوزّع الاتهامات المجانية على الزبائن والمستهلكين! لو حدث ذلك في بلدٍ آسيوي نصف ديمقراطي، ونصف زراعي، لاستقال الوزير طواعية من دون انتقادات صحافة ولا احتجاجات رأي عام.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1733 - الإثنين 04 يونيو 2007م الموافق 18 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً