قبل عامين، تعهدت الدول الثماني الكبرى (G8) الأغنى في العالم بإلغاء الديون عن إفريقيا وزيادة مساعداتها للتنمية فيها. ولكن، وفي الوقت الذي تستعد فيه هذه الدول للاجتماع مرة أخرى في ألمانيا في 8 يونيو/ حزيران الجاري، تتزايد الانتقادات التي تقول إنها فشلت في الوفاء بتعهداتها التي قطعتها في (غلين إيغلز) باسكتلندا.
على أية حال، ليس فقط تعهدات الثماني الكبرى هي التي لم يوفَ بها، كما جاء في تقرير يؤكد ان دول الاتحاد الأوروبي تضخّم مساهماتها في المساعدات. لذلك، ما حقيقة موقف الالتزامات الأوروبية لإفريقيا؟ إن الدول الثماني الكبرى تواجه «أزمة صدقية» بالتعهد التاريخي الذي قطعته هذه الدول الأغنى في العالم لتعزيز مساعداتها وإلغاء نسبة كبيرة من ديونها عن الدول الإفريقية. حتى الآن أوفت هذه الدول بأقل من نصف المليارات الخمسين التي وعدت بها لإفريقيا. وأسوأ من ذلك، يشار بأصابع الاتهام نحو الدول الأوروبية - وأعضاء أيضا في مجموعة الثماني الكبرى - بتلفيق أرقام مساعداتها. لا تستخدم الدول الثماني الكبرى وحدها إلغاء الديون في التضليل، هذا ما تكرره المنظمات غير الحكومية التي تؤكد ان غالبية دول الاتحاد الأوروبي متورطة هي الأخرى في ذلك، على رغم أن دول الاتحاد الأوروبي تعهدت بزيادات كبيرة في مساعداتها للدول الفقيرة قبل عامين. يقول تقرير جديد إن نحو ثلث هذا الدعم ليس في الواقع مساعدات حقيقية. وعن هذا الموضوع تقول جوانا مايكوك من منظمة آكشن إيد (Action Aid): «إن النمسا تضخم أرقامها بما يصل إلى نسبة 60 في المئة» ولكنها ليست الوحيدة، فربما تكون النمسا أسوأ الخاطئين فيما يتعلق بتضخيم أرقام مساعداتها، بشكل رئيسي عبر إلغاء ديونها عن كل من نيجيريا والعراق. هذه ليست أموال تذهب لمعالجة قضية الفقر في هذه الدول، وعندما تتحدث الحكومات عن المساعدات والدعم، يتوقع المواطنون أن تكون هذه المساعدات موارد جديدة، فبعض الدول الأخرى التي تضلل بشأن الأرقام، دول لها أكبر اقتصادات في أوروبا وتتمتع أيضا بعضوية الثماني الكبرى، مثل فرنسا، إيطاليا وألمانيا، إذ نجدها جميعا تنازع للوصول إلى الأهداف التي أعلنتها وتقوم بتضخيم الأرقام.
يبلغ التضخيم في أرقام فرنسا على سبيل المثال 50 في المئة، إذ ينتج ذلك من إلغاء الديون، وتضاف إليها أيضا الأموال التي تُنفق على طالبي اللجوء واللاجئين داخل فرنسا. وعلى رغم أن دول الاتحاد الأوروبي لا تنتهك القواعد من الناحية الفنية، فإنها تقوم فعليا بتضليل الناس - مع استثناءات قليلة مثل هولندا والسويد اللتين تزيد مساعداتهما عما تتعهدان به - ومع تصدر الآفاق الاقتصادية لإفريقيا أجندة مجموعة الثماني، إلا أن البنك الدولي أشار إلى انه على رغم أن قمة غلين إيغلز في 2005، والتي أثمرت عن تعهدات بزيادة مساعدات تنمية إفريقيا إلى 50 مليار دولار بحلول العام 2010، فإن المساعدات الأجنبية لبرامج التنمية في الكثير من الدول الإفريقية لاتزال سطحية في جوهرها. ومن ناحية أخرى، إن تعثر المحادثات التجارية في جولة الدوحة لمنظمة التجارة العالمية شكلت خيبة أمل أخرى.
عموما، إن تأخر تدفق الموارد يأتي على قمة تراجع سابق للمساعدات الإفريقية، فباستثناء تخفيف الديون، والمعونات الغذائية الطارئة، انخفضت المساعدات لإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 2.1 في المئة فعلا خلال الفترة من 2004 إلى 2005.
ووفقا لتقديرات تمويل التنمية العالمية للعام 2007 للبنك الدولي، انخفضت تدفقات المساعدة الرسمية الصافية والديون للدول الإفريقية إلى 35.1 مليار دولار في العام 2006 من 35.8 مليار دولار في العام السابق. هذا الأمر هو الذي دفع شخصا مثل كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي لمنطقة إفريقيا جون بيغ إلى القول إن «الرقم حتى الآن يشير إلى ان - بخلاف تخفيض الديون - الدول الإفريقية لم تحقق الفوائد التي وعدت بها في قمة الدول الثماني قبل ثلاث سنوات». وأضاف «لقد زادت الكثير من الدول المانحة دعمها للمساعدة الإنسانية الخاصة، وتخفيض الديون على مدى أربعة عقود، ولكن لسوء الحظ، لم يترجم ذلك إلى موارد إضافية للدول الإفريقية لإعادة بناء البنية التحتية، وتدريب المعلمين، ومكافحة فيروس نقص المناعة (الايدز)، والملاريا». ولعل هذا الواقع هو الذي دعا الولايات المتحدة إلى مناشدة المزيد من الدول الانضمام إلى مجموعة الدول المانحة الداعمة للمساعدات الإنسانية التابعة إلى الأمم المتحدة؛ ما يمكنها من أن تلعب دورا أكبرَ في التعاون الدولي في أوقات الطوارئ. إن العضوية في مجموعة الدول المانحة الداعمة تعني الانضمام إلى مجموعة مترابطة من أنشط المانحين للمعونات الإنسانية في العالم. بقي أن نعرف أن رسوم العضوية في مجموعة الدول المانحة الداعمة تكلف 300 ألف دولار سنويا للمساعدة على إدارة المكاتب الإدارية للأمم المتحدة. ويشار هنا إلى أن مجموعة الدول المانحة الداعمة تعقد عدة اجتماعات سنويا، بما في ذلك عقد اجتماع ميداني سنوي لاستعراض نتائج عمل المجموعة على أرض الواقع.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1733 - الإثنين 04 يونيو 2007م الموافق 18 جمادى الأولى 1428هـ