ظهرت على السطح في الآونة الأخيرة أشكال غريبة عجيبة من الموضات النسائية تسمى عباءات ولكن ليس لها من العباءة سوى اسمها التي يعرف بها ولونها الأسود ولكن في واقعها لا تحمل دلالات العباءة ولا تحقق الهدف المرجو منها حيث عادة ما تكون مطرزة بتطريزات ملونة ومخرزة بخرز مزين يتلألأ من بعيد حتى في الأماكن المظلمة، فنزلت الموضات على حين غفلة واجتاحت الأسواق، وأصبحت غالبية الفتيات يسعين لاقتنائها بل يفضلنها مخصرة على شكل الجسم بغض النظر عن كون الجسم نحيفا ونحيلا أو ممتلئا سمينا، كما أصبحت محلات العباءات منتشرة في كل مكان بمعدل كل عشرة أمتار محل لبيعها وصاروا يتفننون في الموديلات والأشكال والأنواع طلبا في إرضاء زبائنهم من النساء الملاحقات لخطوط الموضة، وأصبح التنافس بينها كبيرا جدا في الأسعار والأشكال والأنواع وكلما كان شكل العباءة غريبا كلما أستحوذ على رضا الزبونة أكثر وزاد الطلب عليها، مبتعدين كل البعد عن أهدافها وبالتالي مواصفاتها الإسلامية باعتبارها أحد الأزياء الإسلامية الشعبية والتي ربما لكل بلد ما يميزه ، لا أعرف لماذا كلما ظهر موديل من الموديلات أصبح يبتعد عن العباءة «الزينبية» المتداول اسمها شعبيا، هل هو من أجل تشويه العباءة وصورتها أم ماذا ؟ لا أقصد بالعباءة الزينبية هنا فقط العباءة التي توضع على الرأس ولكن أشمل كل عباءة من شأنها انطباق معايير اللبس المحتشم عليها بحيث لا تصف الجسم ولا تشف ما تحته ولا تكون ملفتة للنظر في الشكل، فالعباءات المنتشرة حاليا ليست عباءات على الإطلاق لأنها لا تطبق عليها المعايير بل ربما تصلح لأن تكون جلابية سهرات وبعضها تصلح لأن تكون جلابية مغربية الطراز وأخرى أردنية الشكل أو ربما يمنية، ووصل الأمر أن بعضها يبدو وكأنه لوحة فنية تصلح للتعليق لا للبس، أصبح هناك كوكتيل عجيب غريب ويناسب كل الأذواق فهناك الخفاش والوقواق والفراشة وأسماء لا يمكن حصرها لكثرتها... ربما أحسنها على الإطلاق ما سميت بالفراشة لكونها واسعة وتشبه شكل الفراشة ولكن البعض حاول تشويهها هي الأخرى من جديد من خلال إضافات لا معنى لها وبعدها بدأت تتجه إلى تخصيرها من جديد لترسم حدود الجسم.
أتذكر في الفترة السابقة عرضت في البحرين مسرحية «كرامتي في عباءتي» ودار حولها جدل كبير في الشارع ما بين المتدينين، وتبرز المسرحية رؤيتهم وفرقها مع رؤية المتحررين الذين شعروا بالإهانة من المسرحية لا سيما أن الذي يتأمل فقط في اسم المسرحية يعتقد بأن لابسات العباءات هن فقط المحافظات على كرامتهن وغيرهن فلا، ولكن لتأكيد أهمية الالتزام بالعباءة، بدليل أن هناك ربما مجموعة تحرص على لبس العباءة ولكن لا يحافظن على كرامتهن بدليل انسياقهن الهستيري للموضة الجنونية وصراعاتها التي لا حدود لها، وكأنهن مستعارين أصلا من العباءة التي تمثل رمزا للمرأة البحرينية بدليل حرص رئيسة المجلس الأعلى للمرأة وقرينة الملك صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم على لبس العباءة البحرينية أينما وجدت في المحافل الدولية وفي أية بقعة من بقاع العالم واعتدنا على رؤيتها بهذا الزي عندما تبرز في الإعلام ونشعر بالفخر عندما نجد صورها تغزو كل مكان بهذا الزي البحريني الشعبي، كذلك قرينة ولي العهد الشيخة هالة بنت دعيج وغيرهن الكثيرات من نساء العائلة المالكة، مثال آخر أصبح حاضرا لدينا وأخذت تحذو الحذو نفسه النائبة لطيفة القعود إذ تعودنا أن نراها هي الأخرى بالعباءة البحرينية في أروقة البرلمان وفي كل مكان ضاربة بحشمتها أرض الواقع.
نحن في البحرين عندما علقت أحدى اللوائح التي تتعلق بلبس الطالبات في جامعة البحرين قبل فترة في مباني الجامعة وممراتها على رغم أن هناك مطالبات واسعة بتطبيق قانون الحشمة في الجامعة سواء من قبل الطلبة أو الطالبات فإننا رأينا كيف قامت الدنيا ولم تقعد معتقدين أن قانونا للحشمة يطاردهم ويحد من حرياتهم الشخصية وغيرها من أمور حتى تم تبيان الأمر بأن ما وضع لم يكن سوى لوائح وليس قانونا للحشمة، على رغم أنه من المناسب تطبيق قانون الحشمة فالحرم الجامعي له حرمته الخاصة، وبالتالي الطالبة التي تحرم من لبس زي معين في الجامعة وفق اللوائح أو القوانين تكون لها مطلق الحرية في أماكن أخرى بحيث تلبس ما يحلو لها عندما تكون خارج الجامعة ومع أهلها وولي أمرها لا أن تفرض على الجميع مع تلبسه بلا حساب لمشاعر الآخرين الموجودين معها في الجامعة والذين يرفضون أن يصل مستوى الجامعة إلى ما وصل إليه من مسرح لعرض الأزياء على مدار العام. إيران على سبيل المثال ولست أدري إن كانت أحدى الدول الأخرى قد خطت هذه الخطوة قد تقرر أن تبدأ بتنفيذ قانون جديد يتعلق بالموضة والملابس على أن تكون منسجمة مع الثقافة الإسلامية والإيرانية وبعيدة عن الغرب، والذي أقر من قبل مجلس الشورى ووافق عليه مجلس صيانة الدستور، فكرة القانون تسمح بالاستفادة من النماذج الوطنية والمحلية وترغيب الشعب من الاستفادة من التصاميم الداخلية والابتعاد عن تقليد النماذج الغربية كان ذلك أحد العناوين التي تابعتها عبر الصحافة وكم تمنيت أن تكون لدينا رؤى قريبة مما هو يتداول حاليا في إيران فلكل بلد طابعها المميز في اللبس، لا يعني ذلك قولبة الناس وفق قالب واحد محدد، لأن الأذواق أيضا تختلف ولكن على الأقل وضع حد أدنى مما يلبس خصوصا في الأماكن المختلطة كالجامعات والمجمعات التجارية والأسواق.
في فترة من الفترات عندما قررت الفتيات غير المتحجبات أن يلبسن العباءة لكونهن أعجبن بشكل العباءات الجديدة وخطوطها الفنية قلنا في نفوسنا الحمد لله حتى لو كانت العباءة مزركشة ومبرقشة ولا ينطبق عليها مواصفات الزي الإسلامي ولكن خطوة إيجابية إلى الأمام أفضل من لا شيء ولكن عندما وجدنا الفتيات الملتزمات يقررن التخلي عن العباءة الوقورة والذهاب إلى رحاب الموضة شعرنا بالخوف من جديد من ظاهرة اجتياح العباءة التي كل واحدة فيهم تصرخ بأنها آخر موضة وتعد خطوة تقهقرية وسلبية.
البعض يحلو له أن يتناول العباءة وسوادها الضارب بشيء من الاستخفاف بعقول لابسيها، ويترك لنفسه العنان بأن يرى أن الحجاب كأنما حاجب يحجب الثقافة لكل لابسيه في الوقت الذي لا علاقة أصلا بين الحجاب ومستوى الثقافة لا من قريب ولا من بعيد ولا نحتاج إلى برهان يؤكد صحة ما نقوله سوى المشاهدات اليومية العابرة منها والمقصودة، فكلها مؤاشرات على عدم صحة الفرضية وعلى مروجيها أن يعيدوا النظر مجددا لكيلا يوجهوا التهم جزافا.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1733 - الإثنين 04 يونيو 2007م الموافق 18 جمادى الأولى 1428هـ