تلويح وزارة الداخلية بالعودة إلى حزمة القوانين البالية ضد بعض النواب والناشطين الحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني، أثار زوبعة من الانتقادات.
ردة الفعل الشديدة التي لم تكن تتوقعها الوزارة، جعلها تلتزم الصمت خلال الأيام الستة الأخيرة. فالقوى السياسية والحقوقية والإعلامية أصبحت على درجةٍ كبيرةٍ من الحساسية تجاه التهديدات بالعودة إلى أساليب القمع وتكميم الأفواه التي حكمت البحرين لثلاثة عقود في ظل قانون «أمن الدولة».
قبل عشرات القرون، قال لقمان الحكيم: «إن في الصمت لحكمة... وقليلٌ فاعله»، ومن حسن الحظ أن الوزارة التزمت جانب الحكمة ولم تذهب بعيدا في التصعيد، لعلمها أن المعركة ضد حقوق الإنسان وحرية التعبير ستكون خاسرة. كما أن المضي في لغة التهديدات، يشوّه تجربتنا الديمقراطية الناشئة، ويلقي على وجهها الكثير من الشكوك والبقع السوداء.
حسنا فعلت الوزارة إذ التزمت جانب الحكمة، ومع ذلك لن تفتأ بعض الجهات والأقلام المراهقة على تحريضها من جديد. فوزارة الداخلية في عهدها الجديد، قامت بخطواتٍ تصالحيةٍ مع المجتمع المثقل بالجراحات والعُقَد جرّاء تاريخٍ طويلٍ من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان. وكان بالإمكان البناء على ما تحقّق لولا وجود بعض الانفلاتات في الشارع من جهةٍ، وفي الجهة المقابلة وجود جهات تحرّض لاسترجاع قوانين القمع البالية.
تصريح الداخلية الأسبوع الماضي أثار الكثير من ردود الفعل، من بينها مطالبة النائب الوزير بالاعتذار، وهو مطلبٌ لن يتحقق بطبيعة الحال، فالوزير لن يعتذر ولن يرد أصلا، وفي ذلك حكمةٌ. ولكن أحد المستشارين ردّ بمطالبة النائب بالاعتذار، وتولّى مشكورا مهمة الدفاع عن وجهة نظر الداخلية، على الأقل ليجسّ المعنيون النبض (جمعيات وحقوقيون وصحافة...)، قبل أن يفاجأ الشارع بمداهماتٍ (لا سمح الله)، بدعوى تطبيق المادة 134!
إلى هنا كل شيء مقبول ومعقول، فنحن دولة ديمقراطية تحترم حرية التعبير، وردود فعل الجانبين محسوبة و»تحت السيطرة»، إلا أن أعجب وأغرب ما حدث من تداعيات، هو مطالبة بعض النواب بحلّ البرلمان، على طريقة من يطالب بهدم المنزل على رؤوس الجميع اعتراضا على ارتفاع صوت المذياع من إحدى الغرف! وهي أمنيةٌ صبيانيةٌ، أقرب لشطحات الأطفال... فالناس لم تنتخبهم، والدعم المالي الكبير الذي تلقوه من هذه الجهة أو تلك، لم يكن من أجل أن يصلوا بالقطار إلى إحدى المحطات ويطالبوا بتفكيك عرباته وبيعها في المزاد! فالشعب يريد منهم أن يحقّقوا وعودهم التي نثروها في خيامهم الانتخابية، وألاّ يعودوا إلى سياسة العجزة والفاشلين. فالبرلمان ليس خيمة يطوونها متى أرادوا، ومطالب الشعب الاقتصادية والحقوقية والسياسية ليست خاضعة للانفعالات العصبية وتقلبات المزاج.
إن أمام النواب تحديا كبيرا، ليس في تحسين أوضاع المواطنين فحسب، بل للارتقاء بالتجربة، ووضع القوانين التي تحفظ المال العام، وتوقف ضياع الأراضي في بلدٍ يعاني من أزمةٍ سكانية فعلية، فضلا عن تحصين الجبهة الداخلية بسنّ قانون يجرّم التمييز والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ليعيد للمواطنة كرامتها.
ربما نحلم كثيرا... فأحد النواب «الجهابذة» نشر مقالا يتهم فيه مساعي زملائه اليائسة لمناهضة التمييز بأنها بالغة السوء والفحش، بينما تمنى زميله الآخر أن يكون تحت التراب! فكلاهما من حائط الصدّ القائم أمام مقترح قانون «مناهضة التمييز» الذي يليق بالبحرين ويعيد توافقها وثقتها بنفسها ويحفظ سمعتها في العالم.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2259 - الثلثاء 11 نوفمبر 2008م الموافق 12 ذي القعدة 1429هـ