العدد 1732 - الأحد 03 يونيو 2007م الموافق 17 جمادى الأولى 1428هـ

يومان في طهران

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تتيح لك الشرفة المُطلّة من إحدى ردهات الطابق السادس والعشرين من فندق آزادي أن ترى إحدى أهم أقضية العاصمة الإيرانية (طهران) الثلاثة عشر وعددا من نواحيها السبعة والأربعين، وعلى رغم أن مساحة هذه المدينة التي تعج بالحركة يزيد عن الـ 19196 كيلومترا مربعا وبأنفس تفوق الخمسة عشر مليون إنسان في فترة الذروة فإنك لا تستطيع أن ترى سوى مدينة فقدت احترامها لليوتوبيات بشكل فاقع، فهي إلى جانب أنها العاصمة السياسية والاقتصادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعلى رغم أنها أيضا المدينة التي خصّها الشاه الصفوي في القرن السابع عشر عاصمة لامبراطوريته بدلا من مدينة إصفهان، فإنها مازالت تصطبغ بأصلها وثيماتها التي كانت تصوغ سوسيولجيتها وجغرافيتها الخاضعة لسلسلة جبال البرز التي تزيد مساحتها عن 1200 كيلومتر وارتفاعها جنوبا بواقع 1100 متر فوق سطح البحر وفي الشمال بواقع 1700 متر، وهي الملامح الحقيقية لهذه المدينة قبل وبعد أن تنالها حظوة الصفويين كإحدى قرى مدينة ري العملاقة والتي داستها حوافر الحملات المغولية عند اجتياحها لإيران. ولأن علم السياسة في إيران قد بدأ في إعداد إجابات منسجمة مع المنطق النظري والميكانيزمات العملية له، وعلاقته بتأثير ماهية وفاعلية الهيكلية السياسية في إيران، وأيضا ما أفرزته أزمة التزام التقاليد أو الحداثة في المجتمع، وارتباطها بضرورة تفسير الظواهر السياسية بالتلازم مع التوضيح المُنظّم والاستقراء المسقبلي لها، وأخيرا ارتباط ذلك بسلوك وتصرفات جميع أفراد المجتمع الإنساني وعدم اقتصاره على تشريع الحكومة وتوزيع القدرة والسلطة بحسب رؤية أحد المفكرين الإيرانيين فإنك تجد العاصمة طهران معملا أوليا للمفارز السياسية والاقتصادية والثقافية التي تتحكّم في النظام، بل وحتى في تكوين النخب، وليس غريبا أن يُسجّل لهذه المدينة قدرتها على إعداد الكثير من رؤساء القوى الثلاث بمشارب ومداخيل متباينة، قد يكون بعضها تنفيذيا كما هي الحال بالنسبة لأحمدي نجاد (رئاسة الجمهورية) وقد يكون من خلال إمامة الجمعة كما هي الحال بالنسبة لآية الله جنتي (مجلس صيانة الدستور) وقد تكون الجامعة والصروح الأكاديمية كما هي الحال بالنسبة لحداد عادل (البرلمان) وخصوصا أن بناء العاصمة البشري قد بُنِي بفضل الزحاف الذي طال مناطق مختلفة في عموم إيران ؛ليتمركز ذلك المجموع الزاحف نحو أطراف العاصمة طهران، الأمر الذي أثر كثيرا في الخريطة الأصلية لهذه المدينة. في أحد حواراتي هناك سألت أحد الإيرانيين المعنيين بالتجارة أكثر من السياسة عن رأيه في أحمدي نجاد، فعبّر لي عن رأيه بشكل مختلف، حين أخرج لي هاتفه النقال الذي كانت واجهته صورة لأحمدي نجاد وهو يجتمع مع عدد من العُمّال، قلت له في حال قرر الرئيس أحمدي نجاد ترشيح نفسه لولاية أخرى فهل له حظوظ الفوز فردّ على الفور نعم وأكثر من السابق، فهو رجل عملي بالدرجة الأولى وله شرف القضاء على الفاسدين ويُذكّرنا بشخصية الإمام (الخميني)... بطبيعة الحال فإنه ليس من الصعب أن تتأكّد من مدى صحة حديث صاحبنا، فالكثير ممن التقيناهم يحملون الشعور نفسه، وخصوصا أن الثقافة النجادية تُعتبر طارئة أو نُسخة مُحسّنة لمثاليات نادت بها شعارات الثورة الأولى، بل إن البعض أخذ يروي لنا مشاهد حيّة رآها مباشرة من الرئيس وهو يتجوّل في شوارع طهران بمعية الكَسَبَة أو داخل المحلات التجارية.

عندما تتفحّص شئون طهران الداخلية تتوصّل إلى نتائج مُبهرة، وخصوصا في المجال الاقتصادي، فهي وعلى رغم أنها ليست مدينة عذراء، فإن فرص الاستثمار فيها غير عادية بالمطلق، بل إن أحد من صادفتهم وصف الحركة التجارية والاستثمارية فيها بأنه يفوق سرعة الصوت، ولأنها كذلك فإنك تلحظ مدى الاهتمام الذي توليه الدولة تجاه هذه المدينة بدءا من المرافق العامة ومرورا بالأجهزة التنفيذية وانتهاء بما تفرزه صناديق الانتخاب، فبلدية طهران التي يترأسها محمد باقر قاليباف (قائد قوى الأمن الداخلي سابقا) أحد أهم رموز التكنوقراط بالتيار المحافظ، والمجلس البلدي لطهران الذي بحوزته أكثر من ملياري دولار يقومان بأعمال خرافية؛ لتسيير شئون المدينة التي تستقبل وبشكل يومي زهاء الخمسة ملايين وافد وزائر... وقد قرأت هناك أن قرارا سيصدر عن رئيس الجمهورية بعد أيام يقضي بتسمية الحصص البترولية لسكّان طهران بواقع ثلاثة ليترات للسيارات الشخصية وعشرة ليترات لسيارات الركّاب بأسعار مُحددة لتقليل المصروفات بالنسبة للطبقات المتوسطة والعليا ومراعاة للطبقات المعدومة، وللحد أيضا من تلوث المدينة المتعاظم، على رغم أن مترو الأنفاق بطهران قد بُدئ العمل به فعليا في مارس/ آذار من العام 1998 وحتى يونيو/ حزيران 2002 عبر تشغيل الخطوط (1، 2، 5) بطول 60 كيلومترا وبعدد 26 محطة، إذ استطاعت بلدية طهران أن تُوفر لـ 350 ألف راكب إيراني يوميا فرصة استخدام المواصلات المُؤمّنة تقنيا مُوفِّرة بذلك 100 مليون لتر من الوقود الأحفوري بقيمة عشرين مليون دولار، وتعادل تلك الرحلات طاقة ما يزيد على أربعة ملايين حافلة أو خمسة وأربعين مليون سيارة أجرة صغيرة، كما أنها وفّرت أكثر من ستين ألف وظيفة عمل للإيرانيين، ويفوق المعدل الزمني لمعدل الكيلومتر الواحد لطهران كل من نيويورك وطوكيو بينما يُساوي في ذلك كلا من موسكو وأنقرة، ويُقارب في ذلك العاصمة البريطانية (لندن). (وللحديث صلة).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1732 - الأحد 03 يونيو 2007م الموافق 17 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً