لعل موضوعا لم يشغل الباحثين في مجال الإسلام كدين مثلما شغلهم موضوع المرأة، كانت المرأة على الدوام مثار جدل، وضعها في الإسلام، الحقوق المعطاة لها فيه، تفسير كل القوانين الإسلامية المتعلقة بها. فالإسلام كرم المرأة وأعطاها الحقوق التي لم يمنحها إياها دين آخر بالنسبة للمسلمين، ولكنه بالنسبة لغيرهم قيدها بقيود لا تنتهي، أولها الحجاب الذي تضعه على رأسها، وليس آخرها وحقوقها في الميراث والشهادة وغيرها من الأمور. كان ذلك جدلا طويلا فسره كل بحسب وجهة نظره، وبحسب ميراثه الثقافي والفكري والحضاري، وأيضا بحسب نظرته للمرأة كمخلوق وكيان. ولأن «الكرامة» مسألة نسبية جدا، كان تفسير تكريم المرأة وكرامتها أمرا من الصعب تحديد أبعاده. فما يعتبر قيودا لدى البعض، ربما يكون حماية وتكريما، والعكس بالعكس. ولعلنا في مجتمعاتنا العربية «إسلامية الهوى» لا يشغلنا كثيرا هذا النقاش، على الأقل ليس بالدرجة التي يشغل فيها المجتمعات الغربية التي تعيش فيها جاليات مسلمة بدأت أعدادها تكبر شيئا فشيئا، وبدأت تبحث عن كثير من المفاهيم «الضائعة» من منطلق حوار الأديان، أو الحضارات أو الأفكار، وتحاول أن تجد مخرجا «إسلاميا» لكل ما يجري في مجتمعاتها. إحدى هؤلاء الباحثات رئيسة ومؤسسة جمعية «كرامة» في الولايات المتحدة الأميركية عزيزة الهبري، التي تزور البحرين حاليا لإلقاء محاضرة عن التحديات التي تواجهها هي وجمعيتها في المجتمع الأميركي. و«كرامة» هي جمعية للمحاميات المسلمات في الولايات المتحدة، تركز على قضايا حقوق الإنسان للمسلمين داخل أميركا وخارجها، علاوة على تشجيعها للبحث والتعليم والدفاع عن القضايا التي تهم النساء المسلمات وحقوق الإنسان في الإسلام، وكذلك القضايا المرتبطة بالحقوق المدنية للنساء المسلمات تحت دستور الولايات المتحدة الأميركية. تعتبر الهبري، وهي أستاذة القانون في جامعة ريشموند الأميركية، إحدى الباحثات المتخصصات في قضايا الإسلام والديمقراطية وحقوق المرأة المسلمة وحقوق الإنسان في الإسلام. وأكثر ما يميز تجربتها هو عكوفها حاليا على إكمال كتاب حول عقد الزواج الإسلامي في المحاكم الأميركية.
وعلى رغم أن جمعيتها ذات توجهات إسلامية، وعلى رغم الصراع الذي تواجهه هذه الجمعية لإثبات الهوية «الإسلامية» للمنضويات تحت إطارها على اعتبار مراعاة الخصوصية الدينية، إلا أن الهبري تؤكد أن جمعيتها تسعى لإيجاد صياغة حقيقية لخضوع المرأة للقانون المدني الأميركي في مسائل الأحوال الشخصية، وليس للقانون «الإسلامي» إن جاز التعبير. السبب في ذلك ليس قصورا في التشريعات الإسلامية السمحة بطبيعة الحال، ولكن السبب هو «سوء التطبيق»، فكل ما يطبق من قوانين في مسائل الزواج والطلاق في المجتمعات المسلمة «ظالم للمرأة» لأنه نابع من اجتهادات قاصرة، ولو طبقت الشريعة الإسلامية بسماحتها الحقيقية لما وجدنا أي ظلم واقع على المرأة، تفسير الهبري لكل هذا هو القراءة «الذكورية» للدين الإسلامي، وقصور القراءة «الأنثوية» له، وهي إشكالية كبيرة تنعكس على مناحي كثيرة. من كل ذلك تسعى جمعية كرامة «إسلامية الهوى» أن تطبق على المرأة المسلمة القوانين الأميركية المدنية، ليس كرها في القوانين الإسلامية، ولكن لأن القانون الأميركي لن يسمح أبدا لزوج أن يترك زوجته وهي في السبعين على قارعة الطريق دون حقوق. ويكفي أن نذكر تدليلا على ذلك قصة سيدة أفغانية مسلمة وملتزمة إبان الحكم الطالباني لأفغانستان كانت تستوطن أميركا ورفضت العودة لبلادها خوفا على دينها، قالت «رباني أبي على أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ولهذا تعلمت، ولو عدت إلى بلدي الآن فلن يسمح لي بتعليم بناتي، وهذه مخالفة صريحة للدين، لذلك قررت البقاء هنا».
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1730 - الجمعة 01 يونيو 2007م الموافق 15 جمادى الأولى 1428هـ